"150 ألف سنة عمر الإنسان فى مصر" كانت ذلك إحدى نتائج أبحاث ملتقى "الصحارى والبحيرات فى عصور ما قبل التاريخ"، والذى أقيم بمناسبة مرور 30 عاما على بدء أعمال البعثة الإيطالية فى واحة الفرافرة، بحضور الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، ورئيسة البعثة الإيطالية باربارا باريش، بمقر الوزارة بالزمالك، خلال الأسبوع الماضى.
وتم خلال الملتقى، الذى استمر لمدة يومين، عرض أبحاث علمية فى مجال الحفريات الأثرية بواحة الفرافرة، حيث قام المشاركون بإلقاء كلماتهم حول أهم نتائج أبحاثهم، والتى توصلت لعدد من النتائج المهمة حول بداية التاريخ فى مصر.
ولعل أبرز النتائج التى لفتت نظر المشاركين والمتابعين لفعاليات الملتقى هو البحث الذى قدمه الدكتور نادر الحسينى، المدرس المساعد بكلية الآثار بجامعة القاهرة، والذى توصل إلى أن الحياة فى مصر بدأت قبل نحو 150 ألف سنة، بينما جاء عصر التدوين "الأسرات" قبل نحو أكثر من 3000 ق.م.
بدورنا تواصلنا مع الدكتور نادر الحسينى، للتوضيح أكثر، عن النتائج التى توصل لها بحثه، ونتائج عمل البعثات الأثرية العاملة فى الواحات المصرية بالصحراء الغربية.
وقال الدكتور نادر الحسينى: "إن عصور ما قبل التاريخ فى مصر تمثل كل الفترات الزمنية التى عاشها الإنسان قبل أن يتوصل إلى تكوين الأسرات - معرفة الكتابة - حوالى ٣٢٠٠ ق.م".
ملتقى الصحارى والبحيرات بوزارة الآثار
وأضاف "الحسينى"، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن أرض مصر شهدت الكثير من مستوطنات الإنسان فى هذه العصور، إلا أن أغلبها ما زال مطموراً فى باطن الأرض ينتظر الكشف عنه، مما شجع البعثات الأجنبية كالبعثة الألمانية برئاسة رددولف كوبر، والبعثة الإيطالية برئاسة بربارا باريش، والبعثة الفرنسية تحت إشراف المعهد الفرنسى للآثار الشرقية للعمل فى صحراء مصر الغربية وواحتها، للكشف عن تلك المواقع التى تمثل أكثر من 90٪ من التاريخ المصرى القديم، وما زالت أعمال الحفائر فى هذه المواقع مستمرة، وتسفر كل يوم عن الجديد.
الدكتور نادر الحسينى
وأكد الدكتور نادر الحسينى أن الاكتشافات الحديثة التى قامت بها تلك البعثات ستعيد رسم خريطة استيطان الإنسان المصرى القديم على هذه الأرض منذ أقدم العصور، وهو ما سيغير حتماً من نتائج الدراسات القديمة التى حصرت المواقع المصرية من هذه العصور فى مناطق محددة فى وادى النيل، بل أشارت إلى عدد من المواقع المهمة فى صحراء مصر الغربية من مختلف العصور الحجرية، والتى بدأت ترسم لنا خطوات الإنسان الأول على أرض مصر منذ أقدم العصور، لتؤكد أن التاريخ المصرى القديم موحل فى القدم، فقد عاش المصرى القديم منذ عشرات الآلاف من السنين فى الصحراء المصرية معمرها وجامعا لخيراتها، فقد كانت ظروف مناخية مغايرة لما هو عليها اليوم.
شكل لخريطة مصر قبل التوحيد يظهر فيها من اليسار لليمين أن الظروف المناخية فى العصور القديمة كانت جافة، فكان الناس يتجمعون عند (النقط الحمراء) حول وادى النيل، وبعد تغيير الظروف المناخية بشكل أفضل فى الصحراء، حيث كانت كلها مناطق خضرا فأنتشرت الناس فيها، وخلفت المواقع التى تعمل البعثات على اكتشافها الآن، حتى عادت الظروف المناخية جافة كما كانت، فعاد المصرى القديم للعيش حول وادى النيل وبدأت فى محاولات التوحيد.
وهذا ما أكدته الحفائر التى تم اكتشافها فى تلك المناطق مثل الواحات الداخلة والخارجة وواحة الفرافرة، فقد تم العثور على العديد من الأدوات الحجرية التى استخدمها الإنسان فى تلك الفترة من فؤوس يدوية وشواطير، ومكاشط لصيد الحيوان وجمع النبات، هذا بالإضافة إلى البقايا الحيوانية التى أشارت إلى أنواع الحيوانات التى اعتاد الإنسان على اصطيادها من برية وزراف وغزال.
أحد المواقع التى يعتقد إنها لـ الواحة المفقودة في عصر ماقبل الأسرات
وكذلك الدراسات التى أجريت على البقايا النباتية أشارت إلى اختلاف الظروف المناخية لما هى عليها الآن، والتى مكنت الإنسان من التواجد المكثف فى تلك المناطق منذ أكثر من 100 ألف عام ق.م.
وقد أدت التغييرات فى الظروف المناخية وانقطاع الأمطار، وخلو الأراضى من النباتات والأعشاب إلى زحف الإنسان وراء الماء والطعام حتى استقر عند وادى النيل، مكونا ما اصطلح العلماء على تسميته "العصر الحجرى الحديث"، حيث اكتشف فيه الإنسان الزراعة، وعرف تدجين الحيوان، وصناعة الفخار، فعاش حياة مستقرة تمثلت فى البداية من جماعات ثم مستعمرات، ومن ثم قرى ومنها إلى مصر موحدة شمالاً وجنوباً ٣٢٠٠ ق.م.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة