حدث جلل لاشك انشغل به أغلبية المصريين عن صراعات الإقليم والعالم، فلم يسبق أن سجل سعر كيلو البطاطس 15 جنيهًا. مهما كانت ظروف المواسم والزراعة. وقد تحول سعر البطاطس لحديث كل بيت فى مصر، لأنها طعام الأغلبية بصفتها محصول استراتيجى يفترض أن يكون تحت بصر واهتمام البرلمان والحكومة، وفى قلبها وزارة التموين.
البطاطس فضلًا عن أنها محصول رئيسى وإنتاجه يكفى الاستهلاك ويفيض للتصدير بكميات كبيرة، وهو ما يجعل البطاطس ضمن السلع الاستراتيجية مع الأرز والسكر والزيت والمكرونة والفول. والبطاطس أحد ملاجئ المصريين فى مواجهة الغلاء، حيث يمكن أن تمثل وجبة للفقير والمطحون والطبقة الوسطى التى طحنها الغلاء مرات.
ولم تكن البطاطس تتجاوز أربعة أو خمسة جنيهات للكيلو فى مواسم الندرة، وما يسمى فرق العراوى، لكنها قفزت إلى 15 جنيهًا للكيلو، الأمر الذى أدخلها فى طوابير السلع الاستفزازية، وأثار عواصف التنكيت والسخرية المرة، التى وصلت لاعتبار البطاطس تشبه الدولار. ثم أن ارتفاع أسعار البطاطس رافقه ارتفاعات مستمرة فى أسعار الخضراوات عمومًا بصرف النظر عن الموسم، وبالطبع دخلت الطماطم على خط ارتفاعات الأسعار بوصولها لعشرة جنيهات، ومعروف أن الطماطم من المحاصيل التى تشهد ارتفاعات وانخفاضات فى الأسعار، الأمر الذى جعلها توصف فى نداءات الباعة بـ«المجنونة»، لكن الجنون انتقل للبطاطس وباقى الخضراوات. وهو ما ضاعف من الشعور بوجع الأسعار .
اللافت أن السيد وزير التموين خرج ليدلى بتصريح عن ارتفاع أسعار الطماطم، وقال: الناس بره بتطبخ بصلصة وليس بطماطم الأمر الذى خلق نقاشًا وجدلًا فرعيًا، حيث اعتبره البعض نوعا من الاستخفاف بمشاعر الناس التموينية، وهو بالفعل تصريح خارج السياق، مع الأخذ فى الاعتبار أن ارتفاع أسعار الطماطم يرفع سعر الصلصة أيضًا.
اللافت فى مناقشة البطاطس وأسعارها أن الحكومة ووزارة التموين قالوا إن وراء ارتفاع أسعار البطاطس عدد من التجار اشتروها رخيصة من الفلاحين وخزنوها ليتحكموا فى سعرها وإذا لم يكن لدى الحكومة صلاحية التسعيرة الجبرية فى ظل اقتصاد السوق، فالمفروض أن يتم تطبيق نفس قوانين السوق الحر بمنع الاحتكار، والتعامل مع البطاطس بصفتها سلعة استراتيجية، لكن الواقع أن قانون مكافحة الاحتكار عندنا غير مطبق تقريبًا، ولا توجد آليات لتحديد الاحتكار ومواجهته. وإذا صدقت الاتهامات الحكومية لتجار بالاحتكار فنحن أمام جريمة حيث الفلاح لايربح، والمستهلك يخسر.
وبالتالى فإن اكتفاء الحكومة بتوجيه اتهامات عامة لأشخاص غير محددين بالاحتكار والتخزين لايجدى فى مواجهة الأزمة ويفترض تقديم أدلة على ذلك، خاصة أن التجار يردون بأنهم يشترونها بسعر مرتفع وأن السبب هو العراوى أو الموسم الانتقالى الذى يقل فيه المحصول، وترتفع أدوات إنتاجه.
قصة البطاطس هى واحدة من الأمثلة على غياب آليات تطبيق القانون وحماية المستهلك، وما يجرى فى البطاطس يتم فى غيرها حيث يفرض المحتكرون قانونهم على الجميع.