- «أم رحمة» المطلقة حديثا عانت 7 سنوات من العنف وإجبارها على الإنفاق على زوجها الذى لا يبارح «قعدة المزاج»
- «أم أحمد»: «بشتغل علشان ولادى ميحتاجوش لحاجة وبدعى من ربنا إنه يسترها معايا لغاية ما أموت.. «نعيمة»: «أنا جاهلة ولدى 4 أبناء ولا أملك وظيفة ولا معاش يرحمنى من عنف زوجى»
- يعملن فى ظروف قاسية فى الحقول والأسواق ويتنقلن من الشرقية والغربية والفيوم وبنى سويف وقرى الجيزة والبحيرة للقاهرة
«الصعوبة التى تقابلنى يومياً إقناع أصحاب الأراضى الزراعية المحيطة بقريتنا ببيعى المزروعات دون غيرى من التجار اللذين يزايدون فى السعر حتى يحرمونى من الكمية القليلة التى آخذها وتضمن لى وأسرتى العائد المادى الذى يكفينى»، على حد وصف، الأم المعيلة سعاد.
رحلة «سعاد .م أ» ابنة محافظة الشرقية القاطنة بقرية «بلبيس» فى منزل طينى متهالك وأبنائها الأربعة بعد هجرها من قبل زوجها منذ عدة سنوات وتركها دون نفقات كما قصتها لـ«اليوم السابع»، تبدأ باصطحابها طفلها الأصغر البالغ 5 سنوات وهى تهرول وأعلى رأسها «الطشت» الذى تضع فيه الخضراوات التى تشتريها من الحقول المجاورة لمنزلها التى تبعد سيرا على الأقدام مدة ساعة، حتى توفر ثمن أجرة العربة «الكارور» يوميا خلافا لباقى السيدات التى يخرجن من قريتها.
وتضيف سعاد فى سردها لقصتها: «حتى فى الأيام اللاتى تنهار قواى على التحمل من التعب وألقى جسدى على فراشى، أضطر للنهوض كآلة تسبق أشعة الصباح الأولى خوفا من ألا ألحق بصندوق ربع النقل الذى يحملنى والمزارعات مكدسين بداخله حتى ينقلنا بالبضائع للقاهرة طوال 3 ساعات».
«اليوم السابع» رصدت يوميات الريفيات العاملات كـ«عمالة مؤقتة أو بأجر»، ويتنقلن من الشرقية والغربية الفيوم وبنى سويف وقرى الجيزة والبحيرة فى ظروف عمل قاسية، وهن يزاحمن الرجال ثم يعودن لمنزلهن بعد دقات الساعة 12 صباحا بعد قضاء أكثر من 18 ساعة عمل محطمين كل الأرقام القياسية فى القدرة على التحمل، ليرقدن فى أسرتهن جثثا هامدة تنتظر الاستيقاظ لخوض نفس المأساة يوميا دون كلل.
وفق وصفهن يبدأن صباحهن الساعة الـ4 فجرا عندما يستيقظن مثقلات الجفون، وهن يصارعن حلم النوم لساعات أطول محاولين النهوض لبدء يومهن الشاق الذى لا يخلو من المتاعب، بحثا عن لقمة العيش والتكفل بأزواجهن وأولادهن بعد أن كتب عليهن تحمل الصعوبات حتى لا يمدن أيدهن لأحد، يخرجن من منازلهن فجرا ويسيرن مسافات بعيدة بحثا عن البضائع فى الحقول والأسواق ويتصارعن لاقتناص مكان فى سيارات النقل، ويتكدسن فيها لأكثر من 3 ساعات حتى يكن أن يقطعن الأنفاس لإيصالهن بالبضائع للأسواق.
وانتقلت الـ«اليوم السابع» لأحد الأسواق بالجيزة والتقت بـ«أم رحمة» المطلقة حديثا وابنة قرية برنشت التى عانت خلال الـ 7 سنوات الماضية من العنف الزوجى وإجبارها على العمل والإنفاق على زوجها الذى لا يبارح «قعدة المزاج»، على حد وصفها، وأسرته.
بوجه شاحب وجسد نحيف تقول «فاطمة.خ.ك»: «شوفت الويل طوال سنوات زواجى وأنا أضطر للعمل ساعات طويلة أنفق على زوجى وهو يقابل كل ما أفعله بالجحود، ويتعدى على بالضرب المبرح ويحرمنى حتى من أبسط حقوقى من الطعام، فكنت أصطحب طفلتى وهى رضيعة على كتفى وأخرج بها من قريتى ساعات طويلة لتبدأ مأساتى اليومية بالإلحاق بالسيارة التى تنزلى لسوق الثلاث بصفط بكرداسة حتى أشترى الخضراوات التى أبيعها وأحملها على سيارة «كارو» برفقة باقى السيدات وأركب برفقتها حتى المكان الذى أفترشه بالجيزة مقابل أرضية يأخذها أصحاب المحال.
وقالت أم رحمة: «كسرت يدى فى إحدى المرات بعد سقوطى من أعلى العربة المحملة بى، وبعض السيدات والبضائع أثناء عبور مزلقان الجيزة فى حادث تصادم، وتم اصطحابنا لقسم الشرطة وعندما بلغت زوجى حتى يأتى لاصطحابى رفض، وبعدها بثلاثة أيام لم يستحى وهو يجبرنى للعودة مرة أخرى للعمل».
«بدعى من ربنا إنه يسترها معايا لغاية ما أموت»، بهذه الكلمات بدأت «أم أحمد» الأم لأربعة أبناء التى قضت عمرها فى العمل منذ أن كانت بسن الـ35 إلى أن أصبحت سيدة مسنة بعمر 65 عاما لا تقوى على الحركة دون مساعدة لما أصابها من خشونة وآلام فى العظام أثناء افتراشها السوق بالعجوزة حديثها، مؤكدة «عشان ولادى ميحتاجوش لجاحة وميتسلفوش من حد».
وتضيف: «فى شبابى كنت أتحمل التنقل من محل إقامتى بإحدى المناطق بالجيزة إلى مدينة ناصر بحلوان للعمل فى مصنع ملابس لساعات طويلة، وبسبب بعد المسافة والبهدلة فى المواصلات وتأخرى دائما وخصم المشرفة على من راتبى لا يتعدى 300 جنيه شهريا تركته».
وتتابع أم أحمد: «تحولت للعمل فى البيع فى الأسواق، وأخذت من سوق العجوزة محل لإقامتى حتى أوفر ثمن الأدوية لزوجى المريض إلى أن توفاه الله، وبعد قررت النزول مرة أخرى لسد حاجات ابنتى وأولادهم بعد أن توفى زوج الأولى والأخرى زوجها مريض وينفذ بعض الأحكام القضائية».
«بقيت أبيع وأشترى على أولادى»، هكذا وصفت السيدة «أم عصام» سبب اتخاذها مهنة العمل فى بيع الخضروات وتجمعيها، لسد احتياجات ابنائها بسبب الظروف المعيشة الصعبة التى كانت تعانى منها.
وتقول الأم لأربعة أبناء، إنها عملت منذ الصغر بعد وفاة زوجها لعدم وجود عائل لهم ولا وظيفة ولا معاش حكومى، مضيفة: «أنا اللى بتسوق وبحمل الخضار على العربية النص نقل فى البداية كان من روض الفرج وحاليا من سوق العبور وأركب معاه».
وعن حديثها وسط مزاحمتها الرجال فى السوق: «مفيش حاجة مفهاش مشاكل بس الست القوية البطلة مش بيهما حد كنت بقف قدام الحلو وقدام الوحش»، لتؤكد أنها كانت تكافح من أجل لقمة العيش حتى تأكل وأبنائها بالحلال وشرف واستطاعت أن تربيهم.
وتقول أم عصام إنه حاليا لا توجد رجال، فبعد أن يصبحوا يناموا فى المنزل، ويجبروا الزوجة للإنفاق عليهم، لتصبح السيدة هى من تحمل الهموم وعبئ المنزل خارجه وداخله، وتضيف وهى تدعو: «متحملين الحمد لله مش عايزن غير الجنة يارب».
«المطر بينزل علينا كل شتاء، ويضطر أحط طشت أو حلة ومش عارفين نقعد وزوجى دخله 90 جنيه فى الشهر».. تلك الكلمات قالتها السيدة «أم أحمد» لتحكى معاناتها بالعيش فى غرفة مهترئة برفقة أبنائها وزوجها لتضطر الخروج للعمل لتكفل بعض الأموال عن طريق شراء بعض الخضراوات من المزارعين أو السوق لتبيعها.
وتضيف الزوجة: قبل بيعى للخضراوات كنت أعمل طباخة، ولكن بسبب الإصابات وإجرائى عملية فى قدمى، وأخرى ببطنى جعلتنى لا أستطيع الوقوف على قدمى مما اضطرنى للبحث عن بديل.
وتتابع أم أحمد: «بجمع شوية عنب أو بطاطس أو طماطم أو توم ونقلهم بسيارة ربع نقل برفقة باقى السيدات اللائى يبيعن بالسوق وساعات كتير مش بعرف أبيع معظمهم وبيترموا وأتحول لمديونة ومهددة بالحبس لإنى مش عارفة أسدد الفلوس للتجار والمزارعين».
وبعينين مليئتان بالدموع من هول ما تعانيه من صعوبات بصفة يومية أثناء عملها من الـ8 صباحا حتى 1 ليلا، قالت أم أحمد: «طول عمرى فى الشقى نفسى أرتاح، ولكن مش لاقية حد يريحنى لا ابن ولا جوز ولا حد كل حاجة على وشايله الهم»، مضيفة: «فى اليوم الذى أشترى فيه الخضراوات أضطر الخروج من الغرفة التى أقطنها فى الـ 5 فجرا حتى أستطيع اللاحق والشراء ثم العودة برفقته».
وانتقلت «اليوم السابع» للحديث مع أم عربى الأم لأربع ذكور و3 فتيات والتى تعول أولادها يوميا لتروى قصتها: «الشارع لا يخلو من المضايقات للسيدات العاملات وبالأخص الذين يعملون باليومية، وتضيف الأم المعيلة والتى ترى الكثير من الصعوبات لتربية أبنائها معتمدة على نفسها: «وأنا صغيرة كنت أستيقظ وأقوم بإعداد الطعام لأولادى وتركه لهم أو أصطحبهم معى وبعدها أخرج وأستقل المواصلات حتى مكان بيع الخضراوات بالأسواق حسب الأسعار الأقل». وتضيف: «وأحيانا كنت أضطر النزول فى اليوم الذى ألد فيه وأبقى على الفرش ببيع»، حتى أوفر احتياجات أسرتى رغم الألم بسبب تحملى مسؤولية منزلى والإنفاق عليهم .
أما «نعيمة .ع ال» السيدة البالغة 35 عاما، المقيمة بإحدى قرى محافظة البحيرة «باليومية بشكل مؤقت» فى جمع الخضراوات من أحد الحقول مقابل مبالغ زهيدة ثم الانتقال مع الفلاحات من قريتها للقاهرة لبيعها فى سوق العبور، التى يستغلها زوجها ويجبرها على العمل لساعات تتخطى قدرتها على التحمل، تقول: «رغم أنا سنى ما زال صغيرا، إلا أننى أعانى من الضغط والسكر والأنيميا، بسبب ما أتعرض له على يد زوجى الأنانى الذى يمكث هو المنزل وأخرج أنا للعمل»، لتؤكد: «بعد كل ما أعانيه من أجله تزوج علىّ رغم ظروفنا الصعبة وعيشنا فى منزل من الخوص، وعندما واجهته قال لتساعدك فى توفير مصروف المنزل».
«أنا جاهلة ومتزوجة وأنا طفلة ولدى 4 أبناء ليس لهم عائل غيرى ولا أملك وظيفة ولا معاشا حكوميا يسندنى ويرحمنى من عنف زوجى»، هكذا قالت نعيمة العاملة باليومية.
وفى سوق بولاق تفترش أم طه وهى أم لأربع أبناء التى تضطر لاستقلال عدة مواصلات وتضطر للوقوف منتظرة وقتا طويلا ببضائعها وتتسابق لتكون الأولى لتصعد على الشاحنة وتجلس قرب به حتى تستطيع الوصول لـ«فرشتها» بالسوق وتقضى طول اليوم حتى توفر عائدا ماديا لأسرتها، لتقول: «بعافر علشان لقمة العيش وحجز مكان للسماح لى بالبيع والشراء من قبل أصحاب المحال الذى يعترضون على عملى وربنا بيسهل».
«ببقى قاعدة وييجى صاحب المحل ويتخانق معايا بسبب البائعات اللائى يتركن بقية البضائع أمام محله، وفى إحدى المرات تعدى بالضرب على وبكيت وقتها من شدة الألم والذل الذى رأيته وأنا أجرى على رزق أولادى، ولكنى عدت فى اليوم التالى وتحملت هروح فين أنا مضطرة»، هكذا روت السيدة التى فى أواخر الثلاثينات وهى تتحدث بصعوبة لتصف معاناتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة