مع أهمية المنافسة فى الصناعات التقنية وصناعات السيارات، فإن التنمية تأتى من التركيز على التميز فى منتجات محلية، وإذا بحثنا عما يمكن أن تتميز به مصر تأتى المنتجات الزراعية والجلود والأثاث والمنسوجات والمنتجات اليدوية والتراثية التى تمثل فى مجملها فرصا للإنتاج المحلى والتصدير اعتمادا على الجودة والسعر المنافس.
ومن واقع متابعة الملفات والشهادات والنماذج الناجحة للشباب أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتى قدمها محررو «اليوم السابع» فى المحافظات، يمكن أن نرى جهدا مهما لجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة برئاسة نيفين جامع، والذى يقدم قروضا وتدريبات ويسهل إجراءات الحصول على التراخيص، وهى تجربة تستحق التشجيع، والتعميم والتوسع بوصفها يمكن أن تكون قاعدة انطلاق لتنمية حقيقية.
وإذا أشرنا إلى أنواع من المنتجات الزراعية التى تميز مصر مثل «المانجة»، نكتشف أن المانجة المصرية ليس لها مثيل فى الخليج ودول كثيرة، ومن يسافر للخارج يمكنه اكتشاف ذلك، ومع هذا فإن حجم ما يتم تصديره قليل بالنسبة للطلب على «المانجة» المصرية، والسبب ضعف عمليات التعبئة والتغليف وطريقة التصدير، أو غياب التسويق الحديث، ومن هنا يمكن اكتشاف أهمية أن يتم دعم دورات تدريبية على التسويق الحديث وطرق التعبئة والتغليف لمنتجات زراعية تحفظها من التلف وتضمن وصولها بجودة وصورة جيدة للمستهلك البعيد، وهو مانراه فى عمليات تصدير منتجات زراعية مثل الكيوى والافوكادو من آسيا وأمريكا اللاتينية ويتم تصديرها ونقلها لأيام وبالبحر غالبا، ومع هذا تحتفظ بجودتها.
وعندما نتحدث عن التنمية يأتى الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، فهى التى صنعت قفزات التنمية فى الصين ودول جنوب شرق آسيا والبرازيل وغيرها. وفى مصر كانت أهم مطالب خبراء الاقتصاد والتنمية، وقبل عامين أعلنت الدولة اتجاهها لتقديم مئات الملايين لآلاف الشباب فى المحافظات ضمن خرائط واضحة لتوزيع شكل ونوع المشروع، ومع الوقت بدأت هذه المشروعات تظهر فى شهادات الشباب من أصحاب هذه المشروعات ممن حصلوا على قروض وبدأوا مشروعات صناعية تتفاوت فى الحجم والإنتاج وحجم ما توفره من فرص عمل حقيقية.
لقد رأينا بعض الآراء تسخر من فكرة إنشاء مصنع لمشابك الغسيل واعتبرتها أمرا لا يستحق، وإذا نظر هؤلاء إلى حجم ما توفره عملية إنتاج مشابك الغسيل من عملة صعبة ربما يعيدون النظر، ونفس هؤلاء ممن يتساءلون عن السبب الذى يجعلنا عاجزين عن إنتاج مشابك الغسيل وإيقاف وتعطيل مصانع كانت تنتج المشابك وغيرها، وأتذكر من عدة أعوام عندما تم الإعلان عن مصنع لإنتاج «الأستيكة» دار نفس النقاش. وقلنا إن الأستيكة ليست عيبا بل هى سلعة مطلوبة وندفع فيها عملات صعبة، بينما يمكننا أن ننتجها محليا، ونصدرها ما دامت على مستوى جودة ومنافسة.
وربما لم ينتبه بعض ممن يسخرون من إنتاج الأستيكة والمشبك إلى أنهم يتباكون على زمن كنا ننتج فيه الأقلام الرصاص والكبريت، وحتى لو كانت وقتها ليست على مستوى الجودة فلم تكن المنتجات الصينية حتى التسعينيات قادرة على المنافسة، ومع الوقت رأينا المنتج الصينى يصل إلى مستوى منافسة تدفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لشن حرب تجارية وفرض رسوم إغراق لمواجهة المنافسة الصينية.
ومن خلال متابعة شهادات وتجارب مئات الشباب بالمحافظات، نكتشف أهمية الدور الذى يقوم به جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، فى تقديم قروض للشباب فى محافظات مختلفة، وهناك مشروعات حققت نجاحا وانتقلت من الإنتاج المحلى إلى التصدير.
وهى مشروعات تمثل بالفعل تجارب ملهمة، خاصة لو اتجه الجهاز لتقديم تدريب للشباب على عمل دراسات الجدوى، ومعرفة كيفية بدء مشروع صغير أو متوسط وعبور حواجز الخوف والبيروقراطية لبناء طموح حقيقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة