من الكتب المهمة التى تستحق القراءة "تفسير التوراة بالعربية: تاريخ ترجمات أسفار اليهود المقدسة ودوافعها" تأليف سعديا بن جاؤون بن يوسف الفيومى ترجمة سعيد عطية مطاوع - أحمد عبد المقصود الجندى، والصادر عن المركز القومى للترجمة.
ويقدم الكتاب دراسة منهجية دقيقة من خلال بحث كبير يكتبه المفكر والباحث سعديا بن جاؤون بن يوسف الفيومى من خلال دراسة تفسير التوراة باللغة العربية تاريخ ترجمات أسفار اليهود المقدسة ودوافعها، يقدم الكاتب تلك الدراسة بصورة واضح وأسلوب سلس يسردها خلال فصول الكتاب بلغة واضحة.
يعد سعديا الفیومى أحد أھم فلاسفة الیھود خلال العصر الإسلامى عامة والقرن الثالث الھجرى على وجه الخصوص، وفى الكتاب الذى بین أيدينا يقدم سعديا ً تفسیرا لأسفار التوراة الخمسة (التكوين، الخروج، اللاويین، العدد، التثنیة).
ويمكن اعتبار ھذا الكتاب شكلا من أشكال الترجمة التفسیرية للنصوص، وفى ھذه الترجمة كان سعديا الذى عاش فى ظل ازدھار الحضارة الإسلامیة حینھا اعتبار العقل أحد أھم خصائص الحضارة الإسلامیة.
وقد أثر علم سعديا بالديانة الیھودية، وتأثره الكبیر بالثقافة العربیة الإسلامیة وعلماء الكلام، وعلمه الواسع بالنحو العبرى، فضلا عن تمتعه بحس دينى ولغوى – فى أن تأتى ھذه الترجمة معبرة عن المضامین الدينیة التى تضمنھا النص العبرى. ومن ممیزات ھذه الترجمة كذلك أنھا أول ترجمة من النص العبرى مباشرة، وذلك عكس الترجمات المسیحیة التى تمت عبر الترجمة السبعینیة (الیونانیة) والترجمة اللاتینیة. ومن ممیزات ھذه الترجمة أيضا أنھا تجنبت الحرفیة إلى حد كبیر وھو ماجعل صاحبھا يستخدم عنوان "تفسیر التوراة بالعربیة" وربما كان ھذا العنوان إشارة ضمنیة منه لصعوبة ترجمة النصوص الدينیة.
وتتجلى أثار الحضارة العربیة الإسلامیة واضحة فى الترجمة التى بین أيدينا على المستويین اللغوى والدينى، فقد أثر سعديا استخدام ألفاظ عربیة تناسب عقلیة البیئة التى يعیش فیھا، أو استعارة النص القرآنى فى بعض الأحیان، أو ترجمة أسماء الأماكن بما كانت تعرف به فى عصره. وتجلى ذلك الأثر أيضا فى تجنبه لصفات التجسید والتشبیه عند وصف الإله وھو أمر كان جديدا على العقلیة الیھودية فى ذلك الوقت.
إن الكتاب الذى بین أيدينا ھو خیر دلیل على أن الجانب الأكبر من النتاج الدينى والأدبى والفلسفى للیھود خلال العصر الإسلامى، ھو جزء أصیل لايمكن فصله عما أنتجته الحضارة الإسلامیة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة