فى إطار رؤية السعودية 2030 تسعى حكومة المملكة – بالإضافة لتدشين أضخم صندوق سيادى فى العالم وطرح %5 من شركة أرامكو النفطية العملاقة للاكتتاب العام- إلى زيادة مشاركة النساء فى سوق العمل من %22 لـ%30، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من %11.6 لـ%7 وزيادة مساهمة القطاع الخاص فى الناتج المحلى من %3.8 لـ%5.7، بالإضافة إلى إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بالكامل للحكومة تطرح لاحقا فى السوق السعودى وإنشاء أكبر متحف إسلامى فى العالم مقره الرياض، لإتاحة الفرصة لغير المسلمين لزيارته.
ومن المقرر أن تعمل الحكومة السعودية وفق الرؤية على إعادة هيكلة قطاع الإسكان للمساهمة فى رفع نسب تملك السعوديين، مع إنشاء مكتب لإدارة المشاريع الحكومية وظيفته أن يسجل كل الخطط والأهداف، ويبدأ بتحويلها إلى أرقام وإلى قياس أداء دورى، ومراقبة مدى قدرة الجهات الحكومية فى تحقيق الأهداف الموضوعة، مع دعم لجنة مكافحة الفساد برئاسة ولى العهد السعودى لمواجهة كل أشكال التربح غير المشروع.
لم تكن مثل هذه الخطط الاقتصادية الطموحة المرتبطة بثورة اجتماعية وثقافية ناعمة لتمر على قوى الاستعمار الغربى التى لم تتغير أهدافها على مدى مائتى عام أو يزيد، لأن هذه القوى الاستعمارية لا تعرف إلا طريقا واحدا هو طريق نهب الثروات الطبيعية وممتلكات الشعوب غير الأوربية، وكان لابد من محاولة تحجيم وابتزاز القيادة السعودية الطموحة لأن تتحول إلى قوة اقتصادية وثقافية إقليمية ودولية، ونؤكد أنه لو لم يقع الحادث الأخير فى القنصلية السعودية بتركيا، كان سيظهر أى حادث آخر يرتكب فيه أطراف سعودية خطأ ما، ليتم تضخيمه وتحويله إلى حدث كونى يتم المساومة عليه.
بالطبع نحن لا نقدم تبريرات لأحد فى الخطأ، خاصة لو ارتقى إلى مستوى الجريمة، والقرآن الكريم يضع جريمة القتل دون ذنب فى مرتبة عظمى فيقول تعالى فى سورة المائدة آية 32 «ومن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، ولكن دعونا نتساءل: ألم يكن ممكنا أن ينتهى حادث القنصلية وعقاب المجرمين داخل الدوائر السعودية؟ وكم خطأ يظهر كل يوم فى عواصم من الشرق إلى الغرب بفداحة خطأ القنصلية السعودية بتركيا، ثم لا تقوم الدنيا ولا تقعد من طهران إلى واشنطن مرورا بأنقرة؟ ألا تتغاضى قوى الاستعمار عن جرائم جسيمة يرتكبها جنودها على أراضيها أو خارج أراضيها، أو يرتكبها الأذناب المرضى عنهم إلى حين وأولهم أردوغان السفاح الدموى؟
إن لم يكن حادث القنصلية السعودية فى اسطنبول سببا محتملا للابتزاز ومحاولات إجهاض مشروع التطوير الطموح بالمملكة، سيظهر ألف سبب محتمل من وجهة نظر قوى الاستعمار وأذرعه التى تضم عواصم ضرار وأجهزة استخبارات وصحفا سليطة ومنظمات حقوقية موجهة، وعلينا فى هذه الحالة أن ندرب مسؤولينا فى الداخل والخارج على معايير الحوكمة الرشيدة وعدم ارتكاب الأخطاء الفادحة التى تكلف بلادنا أثمانا باهظا وتمنح المستعمر الأداة التى يطعننا بها.
من ناحية ثانية، يخطئ من يظن أن مصر والسعودية فى مركبين مختلفين، أو أن طريقهما ليس واحدا، على العكس من ذلك فإن القاهرة هى المستفيد الأول من انفتاح المملكة واعتمادها الثورة الثقافية والاجتماعية الناعمة، ونظرة واحدة إلى خمسة عقود من صعود الجماعات السلفية المتطرفة تجعلنا ندعو ليل نهار أن تنعم السعودية بهيئة للترفيه تستطيع إنجاز مشروعها المقرر فى عشر سنوات فى عام واحد، وأن تحقق المملكة ثورتها الثقافية والاجتماعية الناعمة، لأن الفائدة لن تخص الأشقاء السعوديين وحدهم بل ستمتد حتى المحيط الأطلسى ووسط أوروبا وأدغال أفريقيا أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة