منظر اعتاد المصريون على رؤيته منذ القدم، ولكن اقتصرت رؤيته فى الأماكن السياحية داخل عدد ضئيل من محافظات مصر، فبعد أن كان الحنطور وسيلة التنقل الأساسية لدى الشعب المصرى أصبح يستخدم للرحلات الترفيهية فى المناسبات فقط، وبدأت سواقة الحناطير تندثر يوماً تلو الآخر، ورغم فترة الخمول لمهنة الحناطير التى توقفت فى فترة خمول السياحة إلا أن سائقيها المتعلقين بها رفضوا التخلى عن الحنطور وأشتد حبهم لـ"الكرتة والحصان" أكثر وأكثر.
عربة الحنطور تنتظر من يغواها أمام شارع البرج
جنتل مان موقف البرج 32 عاماً فى مهنة الحنطور: "حبيتها واتشعلقت فيها"
قضوا عشرات الأعوام فى هذه المهنة التى تعلق بها بعضهم نتيجة الوراثة فأحبها أحدهم أبًا عن جد، وآخرون تعلقوا بالحصان فأحبوا الكرتة، وأصبحوا غواة لهذه المهنة، فى الزمالك والشوارع المحيطة بكوبرى قصر النيل يستقر أقدم سائقين الحنطور، صالح منصور واحد منهم، تراه مرتديا قميصا وبنطالون من القماش القديم، وخصلات شعره البيضاء، يقف بجانب عربة الحنطور ينظر إليها وهو يتأمل ما الذى ينقص هذه الكرتة لتكون "عروسة الموقف".
"اتشعلقت فيها وحبيتها، وكانت شغلة نضيفة" كلمات يقولها "صالح" الذى كسر حاجز السبعين من عمره، ليلخص بها مدى تعلقه بالحنطور، بعد أن وقع فى عشقه ويقول: "أنا مشوفتش أبويا ولا جدى بس طلعت لقيتهم بيقولوا أنهم كانوا بيحبوه وشغالين عليه ولقيت أخويا الكبير بيركب الحنطور فاتشعلقت فيه".
"منصور" يقف بجانب الحنطور ليطمئن حصانه أنه بجانبه
ويحكى لنا عن وقفته واهتمامه بعربة الحنطور ويقول: "الراكب بيبص للعربية متزوقة إزاى، وأنا لازم أبقى نضيف فى لبسى وشكلى علشان الناس تركب معايا" بهذه الكلمات يتحدث لنا "منصور" عن اهتمام السائقين بالعربة وهم يستعدون للعمل كل يوم بشوارع الزمالك، ويتابع الحديث: "أنا لازم أبقى جنتل مان"، ويرى أنه يجب أن يكون سيد الموقف لجذب "الزبون" للركوب على الكرتة.
بنى سويف وطنطا هما المحافظتان اللتان تعملان فى بيع زينة وعربات الحناطير، واعتاد "صالح" على زيارة "عاصمة الحناطير" طنطا، كل شهر تقريباً للتسوق والنظر إلى ورش صناعة الزينة والحناطير: "علشان أعرف كل جديد فى المهنة وأكون متابع"، هذا ما يفعله "صالح" بشكل دائم نتيجة حبه واهتمامه بـ"تزويق" الحنطور.
ويحكى "صالح" لليوم السابع ويقول: "الحنطور ده بتاع البشوات مش أى حد بيركبه"، وأضاف أن سعر الرحلة بالحنطور وصل لـ 30 و40 جنيها للأجنبى زى المصرى: "أصل الحنطور للى غاوى وبس"، ويحكى أن الأمور تحولت بعد توقف السياحة، ويتابع أن هذا الجيل غير الكثير فى عربة الحنطور وأن الأجداد والآباء كانوا غير مهتمين بتزويق الحنطور لأنه كان الوسيلة التى يستقلها الجميع، والنهاردة بدأ الاهتمام بسبب الغيرة فى جذب الزبون.
عربات الحنطور في موقف البرج
"زغلول" أحب الخيل فعاش حياة مليئة بالصداقات وتعلق فى حب الكرتة
إلى الجوار يمكن أن ترى عبد القادر عبد المجيد، شهرته "أحمد زغلول"، صاحب الـ65 عاماً يجلس على رصيف شارع الجزيرة المتقاطع مع شارع البرج لينظر إلى المارين أمامه، بجلبابه الصعيدى ينتظر "الزبون اللى جاى على الحنطور"، وهو يقتنع بأنه "لا حيلة فى الرزق ولا شفاعة فى الموت" هى الجملة التى تتعلق بأذهان "زغلول" ويقول: "الحنطور لصحابه، ولو قلبت حاوى على الزبون مش هركب لو مش غاوي".
يخرج من مسكنه فى حى بولاق أبو العلا صباح كل يوم ويستعد للذهاب إلى موقف البرج، ويرفع غطاء الكرتة ممسكاً بقطعة من القماش هى أداته للتلميع، يغسل العجل والسلم الخاص بالركاب، وفور الانتهاء من ذلك يذهب للخيل داخل الاسطبل الخاص به ليقوم بتنظيف العرق المتواجد على جسده: "بنحمى الحصان، وبننضف كويس مكان الرقبة والأماكن اللى فيها عرق".
زغلول ومنصور.. صحبة الثلاثون عاماً يتبادلون الحديث
وقع "زغلول" فى عشق الخيل والفروسية منذ الصغر جعله يلجأ لمهنة سائق الحنطور، ويقول: "أبويا كان سواق نقل ومكنش معايا رخصة أسوق العربية مع أبويا وعشان كنت غاوى الحصان صاحبت ناس بيركبوه وعندهم حناطير وبقوا صحابى وبقى الحنطور كيفي"، كلمات يقولها "زغلول" ليعبر لنا عن دخوله هذه المهنة التى جعلته يكسب صداقات عديدة فى حياة تعد الأفضل بالنسبة له.
ويتابع "زغلول" أن متعة الحنطور لما تركبه فى الشتاء وهو على عكس ما يفعله العامة من ركاب الحنطور، لكنه يرى أن هذه الطريقة الأمتع والأروع لركاب الحنطور على مشية "الطورط" مشية بطيئة للحصان وهو يرقص"، ويحكى لنا عن مهنة الحنطور: "من المهن القديمة اللى عاشرت فيها ناس كتير ودخلتها من سنة 94".
يحكى "زغلول" عن "عم وجدى" كما ينادونه جميعاً فى موقف البرج ويقول هو كبير الموقف هنا ومن أيام الإنجليز وهو على الحنطور، ويظهر احترامه ومدى تقديره لكبار المهنة الذين تعلم منهم وعاش وسطهم ويقول لليوم السابع: "زمان كان المهنة ليها احترامها وفى ناس معروفة كنا كلنا بنسمع كلامهم زى عم فرغلى وعم أبو العلا، هما دول اللى خلوا الحنطور ليه طعم فى السياحة لأنهم حافظوا عليه واتمسكوا بيه.
كلمات قالها بحزن شديد على شعورة بأن المهنة فى مراحل الانقراض والضياع نتيجة الأشخاص الذين يعملون بها وهم على غير علم بتاريخ المهنة وليسوا من محبين الحنطور، ويتابع أن هناك أشخاصا يسوقون بدون ترخيص: "الحنطور للناس اللى بتحبه ولازم يكون فى رخصة للعربية ورخصة ليا".
"عم وجدي" و"منصور" و"زغلول" أصدقاء الحنطور أعتادوا الجلوس معاً
"خلف" يرفع شعار "الزينة والترويق" لجذب الزبون الغاوى
"خلف محمد حسن"، 65 عاما، تراه واقفاً أعلى الكرتة ويأخذه الحماس وشغفه فى تزيين العربة وتنظيفها، دقيقتين تقريباً أتخذهم "خلف" لتنظيف الكرتة من الأتربة التى تجمعت عليها من الطقس المتغير فى يوم تغلبت العاصفة الترابية فيه على هواء كوبرى قصر النيل النقي.
يحكى لنا "خلف" عن دخوله مهنة سواقة الحناطير منذ 32 عاماً، وعن حبه الشديد لها ويقول: "أنا حبتها ودخلتها بسبب أنى غاوى الخيل"، من الحديث المختلف والمتباعد مع كل من السائقين نرى أن زينة الحنطور من أهم صفات العربيات فى الوقت الحالى وهى الشىء الوحيد بعد الحب والهواية لجذب "الزبون" إلى ركوب الحنطور.
خلف على الحنطور ينتظر الغواه ليركبون
ويقول "خلف" وهو جالس على الكرتة إنه يزوق العربية بعد رفع "الكابوت" وتنظيفه، وهو ما يجعله يختلف عن الآخرين إلى حد مابتزويق العربة باستخدامه للورق والإضاءة التى يرى فيهم جذب "الزبون" ويعلق "أنا بزوق وأروق واللى غاوى يركب واللى مش غاوى ميركبش".
تتكون الكرتة من صندوق ودنجل وسوست وعجل وصينية وكرسى وشالتة وذراعى وسلم، إضافة للخيل والزينة التى تتواجد حسب زوق كل سائق ومخرج الصوت – كاست - ويعد "الكاست" من أهم متطلبات ركاب الحنطور الذى يهتم به السائقين بشدة وعلى تواجد الاغانى المصرية التراثية، ويقول "خلف": "لو الكاست مش شغال الزبون ميركبش".
من آن إلى آخر "خلف" ينظر للخيل ليطمئنه أنه بجانبه
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة