فى العام الماضى، قدمت وزارة الثقافة، قوافل التنوير وكان جزء من نشاطها تقديم العروض المسرحية فى الجامعات، وقد حدث، وشاهد الطلبة «قواعد العشق الأربعون» وغيرها الكثير، وهذه الأيام تستمر فعاليات ملتقى القاهرة الدولى للمسرح الجامعى، وهو أمر مهم وضرورى لأنه يعيد فنًا جميلًا هو المسرح، شهد أيامًا له فى رحاب الجامعة.
منذ سنوات طويلة مضت، كان الفنانون الكبار، أمثال عادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم، يحدثونك عن بداياتهم المهمة على مسرح الجامعة، وكيف أن الجامعة منحتهم خشبة ونصًا وجمهورًا جعلهم يدركون أنهم مميزون وقادرون على مواصلة ما تميزوا فيه وأجادوه، بعد ذلك منحتهم الثقة الضرورية لمواجهة الحياة، لكن مؤخرًا اختفى، تقريبًا، هذا الجانب المهم، وصارت الجامعات رغم الزيادة المفرطة فى عدد طلابها، وكثرة مبانيها، خاوية على عروشها من مسرح وفرقة، ولو وجد ذلك فإنه يكون بلا فائدة، ولا يقدم جديدًا.. مجرد عروض باهتة لا تغنى من جوع.
بالطبع ليس المطلوب من طلبة الجامعات أن يقلدوا المسرحيات التى يرونها أو تعرض عليهم، هم فقط فى حاجة للتعبير عن أنفسهم فى هذا الشكل الفنى المميز، الذى يعد بجانب متعته أحد الفنون الحقيقية لاختبار الموهبة، مع التأكيد على أن الدعوة لعودة المسرح فى الجامعات أساسها ليس التوجيه، ولا مطالبة الفنانين المشاركين بالوعظ والدخول فى دائرة افعل ولا تفعل، لكن ذلك يكون من منطلق أنه «أبوالفنون»، كما هو معروف، وفى حالة النص القوى والتقمص الجيد يتحول كل ذلك إلى حالة غير منتهية من الجمال.
الجامعات فى حاجة ضرورية للجمال الذى تصنعه الفنون، لأنه يقوى الروح، ويدفعها للعمل والإنجاز ومحبة الذات والغير، خاصة أن الجامعات صارت فى السنوات الأخيرة مكدسة، مما يدعو لوجود جرعة أكبر ليس من المرح واللهو، لكن من الدعوة لحب الحياة، واكتشاف وجوه متعددة للمقاومة.
والمقاومة فعل شبابى فى الأساس، والمسرح أول الفنون التى تتبنى مثل هذه الأفكار، وتثيرها داخل أبنائها الذين صاروا يفاجئوننا برغبة بعضهم فى الاستسلام، فقطاع كبير من الطلبة لا يرون فى الجامعة تشكيلًا للذات والوعى، بل يعتبرونها سنوات ضائعة من أعمارهم، أو مجالًا للعب والخروجات واجترار الأحلام الضائعة، ومقاومة كل هذه الأفكار السلبية تأتى عن طريق الفن، سواء بالمشاركة والأداء أو المشاهدة والمتابعة.
لذا فإن عودة المسرح إلى الجامعات أمر ضرورى يجب العمل عليه بقوة، ويقين حقيقى بدوره فى صناعة عالم أفضل.