"إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس"، هكذا قال النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) فى الحديث الذى رواه الصحابى النعمان بن بشير، وهو الحديث الذى يكثر استخدامه خاصة فى القضايا الجدلية التى تظهر من آن إلى آخر، دون أن تنتهى إلى إجابة واضحة.
وفى التاريخ الإسلامى على مدار تاريخه منذ تأسيس دولة الإسلام بقيادة النبى (صلى الله عليه وسلم) فى المدينة وإلى الآن، كانت هناك القضايا الجدلية التى تظهر بين الحين والآخر، يأخد فريق بحرمانيتها، ويظل ثابت على رأيه بكل حدة، بينما يرى فريق آخر أنها ليس بها أية شبهات تحريمية، وأنه لم يرد فى القرآن أو فى السنة ما يقطع بذلك.
الموسيقى والغناء
من أكثر الموضوعات جدلية، بين فقهاء الدين والمجددين خاصة فى العصور الحديثة، وحكى الإجماع على تحريمها كالقرطبى، الطبرى، ابن الصلاح، ابن القيم، وابن رجب الحنبلى، وابن حجر الهيتمى وابن تيمية، مستندين إلى النص القرآنى: "مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ"، والحديث الشريف "ليَكُوْنَنَّ فى أُمَّتِـى أقوامٌ يَسْتَـحِلُّونَ الحر (أو الـخَزَّ) والحرير والـخَمْرَ والـمعازِفَ"، بينما رأى تحليلها ابن حزم وابن القيسرانى، ومحمد الشوكانى وأبى حامد الغزالى، والعز بن عبد السلام، وعبد الغنى النابلسى، وغيرهم، مستندين إلى القول القرآنى: " يَا أَيُّهَا النَّبِى لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (التحريم 1)".
والدكتور محمد عماره تطرق فى كتابه "الغناء والموسيقى حلال.. أم حرام؟" إلى حرمانية الغناء حيث قال "إذا كان الغناء فى جوهره: صوت جميل تصاحبه ألحان وأنغام مؤتلفة تزيده جمالا، فلقد عرض الفكر الإسلامى لهذا الغناء باعتباره فطرة إنسانية تحاكى بها الصنعة الإسلامية الخلقة الإلهية التى أبدعها الله وخلقها فى الطيور والأشجار، فالصوت الجميل الصادر من حنجرة الإنسان هو محاكاة للأصوات الجميلة الصادرة من حناجر البلبل والعندليب والكروان".
الحجاب
أكثر القضايا الجدلية أيضا، انتشرت بشكل أوسع فى السنوات الأخيرة، هناك فريق يرى حرمانية خلع المرأة للحجاب، مستشهدين بالآيات (30،31 من سورة النور): ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
بينما هناك فريق آخر يتصدره علماء من الأزهر الشريف، يوضح عدم فرضية الحجاب، مثل الدكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، الذى أثار جدلا شديدا بسبب ما ساقه من أدلة تنتهى إلى أن الإسلام لم يحدد زيا للمرأة، وأن الحجاب ليس فرضًا، متهمًا من قالوا بفرضية الحجاب بأنهم يريدون أن يجعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين والناس ويريدون فرض ثقافتهم القروية على نساء العالم.
بينما يرى الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، إن النقاب ليس فرضاً ولا سنة ومندوب لكنه ليس مكروهاً أو ممنوعاً، بينما الحجاب أمر لكل نساء المسلمين، لكن تصوير المرأة التى لا تلبس الحجاب أنها خارجة عن الإسلام أمر خطأ.
الفن التشكيلى
هناك اختلاف أيضا حول الفنون التشكيلية (البصرية) من حيث الإباحة أو التحريم، ففريق يقف بأنها محرمة لأنها مضاهاة لخلق الله، وتحريم المجسمات الكاملة عن طريق إقامة التماثيل فى الميادين العامة مثلاً؛ خشية تقليد الكفار بتقديس هذه التماثيل.
بينما يقف فريق آخر، بأن هذه الفنون كلها من أجل العلم، وعملها مباح مثلما أجاز العلماء تشريح جثث الموتى من أجل العلم والبحث فى خلق الله، وأيضا جواز الفن التشكيلى، مستندين للنص القرآنى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (صلت 53).
عمل المرأة
من ضمن الأحكام الدينية الجدلية، والتى يختلف حولها العديد من الآراء بين الفقاء وعلماء الدين، هو عمل المرأة بين الحرمانية والإباحة، ففريق يرى أن الإسلام جاء مكرما للمرأة والحفاظ عليها وصيانتها عن ذئاب بنى الإنسان، ودورها يقتصر على بقائها فى المنزل، وتربية الأبناء وصون زوجها، ورأوا أن الله تعالى أمر النساء بلزوم البيوت؛ لأن خروجهن غالبا من أسباب الفتنة، مستندين للآية القرآنية: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
بينما يرى فريق آخر يمثله الأزهر ودار الإفتاء المصرية، بجواز عمل المرأة، حيث قال مرصد الأزهر الشريف، فى بيان سابق: إن الأصل فى عمل المرأة أنه مباح ما دام موضوعه مباحًا ومتناسبًا مع طبيعة المرأة، وليس له تأثير سلبى على حياتها العائلية، وذلك مع تحقق التزامها الدينى والأخلاقى، وأمنها على نفسها وعرضها ودينها، حال قيامها به.
ويستشهد الفريق الذى يجيز عمل المرأة، بعدد من الآيات القرآنية من بينها بالآية الكريمة: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (غافر40).
تكفير أهل الذمة
فى كل مناسبة تخص الأقباط، يخرج تصريح أو بيان ينسب لأحد الشخصيات أو الجماعات السلفية، يحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وذلك كونهم كافرين، وخرج الداعية السلفى ياسر برهامى فى أكثر من درس أو مداخلة تليفزيونية، يؤكد ذلك حيث خرج فى إحدى اللقاءات وقال: المسحيين كفار وعليهم دفع الجزية، مستشهدًا بقول الله تعالى "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، وهو ما أثار الضجة حوله.
كما وكان سالم عبد الجليل، خريج الأزهر وشغل العديد من مناصب وزارة الأوقاف، قال فى برنامج تلفزيونى، مخاطبا اليهود والمسيحيين بأنهم أناس "طيبون" وأنهم أخوة فى الإنسانية، لكن "عقيدتكم ليست صحيحة".
وخرج بعدها الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، فى بيانات تدين ذلك التصريحات، كما صرح فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب بأنه لا مجال أن يطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة بل هم مواطنون، ولا مجال لأن يكون هناك كلام فيما يسمى بالجزية أو فيما يسمى بهذه المصطلحات التى كان لها سياق تاريخى معين انتهى الآن، وتبدل نظام الدولة وتبدلت فلسفات الحكم.
كما صرح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن لأقباط ليسوا كفارًا وهو ما نص عليه القرآن الكريم.