بجمالها ورقتها وصوتها الذى يعيدك إلى الزمن الجميل ويستدعى كل مخزون السعادة الذى زرعته فى وجداننا تحدثت معنا البسكوتة «شويكار»، جاء صوتها العذب الذى يحمل كل معانى الأنوثة والدلال لتؤكد أنها بخير وتنفى ما تردد من شائعات عن تدهور صحتها، فهى النجمة التى اختارت أن تبتعد فى هدوء، بعد أن منحتنا جرعات سعادة وفن وجمال خلال سنوات طويلة من الفن والعطاء.
تحدثنا معها لتؤكد أنها تسعد بحب الجمهور ولكنها لن تعود للأضواء من جديد وتكتفى بالتفرغ لأبنائها وأحفادها.
وأكدت الجميلة أنها اتخذت هذا القرار منذ تولى مرسى الحكم ولن تعود فيه، مشيرة إلى أنها تكتفى بالمشاهدة والمتابعة.
تعيش شويكار الآن حياة هادئة بين أبنائها وأحفادها ولا تستقبل فى بيتها إلا شخصيات محدودة، ومنهم صديقة عمرها الفنانة ميرفت أمين.
يحمل صوتها قدرا كبيرا من السكون والسكينة، ربما تخفى وراءها شيئا من الحزن والشجن والحنين لذكريات الماضى، ولكن كعادتها تفرض حالة من الغموض والعزلة على هذه الذكريات، كما اعتادت طوال تاريخها الفنى على عدم الحديث عن تفاصيل حياتها الشخصية.
رفضت أن تفصح كثيرا عن أسباب ابتعادها، وصمتت للحظات حينما سألناها هل لم تعد الأجواء كما كانت؟ لتقول بابتسامة «والله كلهم كويسين بس أنا مش هارجع فى كلامى ومش هارجع للأضواء»، رافضة وصف هذه الحالة بالاعتزال قائلة «مابحبش كلمة اعتزال».
تتحدث الفنانة الجميلة بنت الأصول، التى ولدت لأسرة تركية عن رفيق حياتها وحب عمرها الفنان فؤاد المهندس، فلا تذكر اسمه إلا وتسبقه بعبارة «الأستاذ الفاضل فؤاد المهندس»، تحكى عنه بحب جارف، وتتذكر ارتباط الجمهور بهما كأشهر ثنائى فى السينما والمسرح، تصفه بأنه حب عمرها وتؤكد أنه لم يفارق خيالها لحظة.
ترفض الفنانة شويكار منذ بداية شهرتها الحديث عن تفاصيل حياتها، حتى إن سبب انفصالها عن المهندس ظل غامضًا حتى الآن.
ولا يعرف الكثيرون شيئًا عن حياتها الشخصية، ويصفها أغلب النقاد والكتاب الذين تناولوا تاريخها الفنى بالمراوغة والغموض والذكاء والحيوية، وهو ما أطلقته عليها الكاتبة ناهد صلاح، فى كتابها الصادر عن مهرجان السينما بعنوان «شويكار سيدتى الجميلة»، حيث وصفت الحوار معها بأنه كلعبة الشطرنج من شدة ذكائها وعدم رغبتها فى الاستسلام للأحاديث التقليدية.
كما وصف الناقد أحمد يوسف شويكار فى كتابه «نجوم وشهب فى السينما المصرية» بأن جمالها هو غموضها وصعوبتها فى سهولتها، وبريقها هو مراوغتها الزئبقية.
اسمها شويكار شفيق إبراهيم شكرى طوب صقال، وتنتمى لعائلة من أصل تركى، و«طوب صقال» لقب تركى يحصل عليه أصحاب المقام الرفيع، جاء جدها الأكبر من تركيا إلى مصر أيام الحكم العثمانى، وكان ضابطًا فى جيش محمد على، وكان والدها من أعيان الشرقية، بينما تنتمى الأم لأصول شركسية ولكنها ولدت وتربت فى مصر. وتربت شويكار فى بيت ارستقراطى بمصر الجديدة، وكان والدها مثقفا ومغرما بالشعر، وتلقى تعليمه فى لندن، بينما كانت والدتها تجيد العزف على البيانو.
ومنذ أن كانت فى سن الرابعة بدأت ميول شويكار الفنية، وبدأ حبها للفن بحبها الجارف لليلى مراد، وحققت الأم حلم ابنتها فى دخول السينما، وهى فى سن التاسعة لتشاهد فيلم «قلبى دليلى» وكانت ليلى مراد نجمتها المفضلة وسر حبها للفن.
التحقت شويكار بمدرسة فرنسية، وما إن وصلت إلى سن 16 عامًا حتى زوجها والدها من شاب ثرى زواجًا تقليديًا، وأنجبت شويكار ابنتها منة الله، وبعد عام من الزواج أصيب الزوج بمرض خطير، وظل مريضًا لأكثر من عام، فقررت شويكار استكمال دراستها الثانوية.
وقد لا يعلم الجمهور أن نجمته الجميلة التى كثيرا ما رآها فى دور الدلوعة، عاشت أكبر صدمة تتعرض لها امرأة عندما توفى زوجها الشاب، لتصبح الشابة الجميلة أرملة ومسؤولة عن طفلة وهى فى سن 18 عامًا.
واختيرت شويكار أمًا مثالية فى نادى سبورتنج، وهى فى سن 20 عامًا لأنها كانت تعمل وتدرس وتربى ابنتها.
تعاملت شويكار بحزم وحسم فى حياتها، وتعودت على تحمل المسؤولية مبكرًا، والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، وبحثت عن عمل بعد وفاة زوجها، فرشحها المخرج حسن رضا، الذى كان مقربًا من عائلتها، للعمل بفرقة أنصار التمثيل، وشاركت فى ثلاث مسرحيات، واجتهدت وتلقت دروسا على يد محمد توفيق وعبدالوارث عسر، ومثلت أول أدوارها فى السينما فى فيلم «حبى الوحيد» سنة 1960، وتوالت عليها عروض الأفلام.
وفى عام 1963، لعبت الصدفة دورًا هامًا فى حياة شويكار عندما شاركت فؤاد المهندس مسرحية السكرتير الفنى، وكان مقررًا أن يقوم بالبطولة أمامها الفنان السيد بدير، الذى رشحها للمسرحية، ولكنه اعتذر لظروف سفر مفاجئ، فاستعان المخرج عبدالمنعم مدبولى بصديقه فؤاد المهندس لأداء الدور. ومن هنا كانت بداية رحلة الإبداع الفنى وتكوين الثنائى الذى أمتعنا بروائع المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، وتوالت أعمالهما معا فى الأفلام التى تجاوز عددها 26 فيلمًا، منها شنبو فى المصيدة، وأنت اللى قتلت بابايا، وأرض النفاق، ومطار الحب، وفيفا زلاطا، والعديد من المسرحيات الشهيرة.
تعلق فؤاد بشويكار وتملك الحب من قلبيهما، وطلب الزواج منها على خشبة المسرح أثناء مسرحية أنا وهو وهى، قائلا: «تتجوزينى يابسكوتة، فأجابت وماله، ليبدأ ارتباط أشهر ثنائى فنى».
استطاعت شويكار بنت الأكابر أن تجسد شخصية الهانم الدلوعة، وبنفس القدرة برعت فى أداء أدوار الفتاة والسيدة الشعبية التى تنتمى للطبقات المطحونة والكادحة، وأن تمثل الأدوار الكوميدية بنفس براعة أداء الشخصيات المركبة، ولا يزال الجمهور يحفظ عباراتها الشهيرة
وطريقة أدائها المميزة «شىء لا يصدكه عكل، وأنت اللى قتلت بابايا، وأنت الكلب الكبير».
وتميزت العلاقة بينها وبين فؤاد المهندس بالرقى الشديد، وأصبحت شويكار أما ليس لابنتها فقط ولكن لأبناء فؤاد المهندس من زوجته الأولى، وهم ولدان ارتبطت بهما وارتبطا بها ارتباطا شديدًا استمر حتى الآن، حتى بعد طلاق والدهما من شويكار وأيضا بعد وفاته، ولا يزالان يزورانها حتى الآن.
تعترف شويكار بأنها لم تحب سوى فؤاد المهندس، وتصفه بحب عمرها، الذى لم تبتعد عنه حتى آخر لحظات حياته ووفاته فى عام 2006، تتحدث عنه بحب قائلة: «لم يكن يأكل إلا من يدى وكنت حبه الأول والأخير، وأحببت أولاده، وحتى بعد وفاته كنت أصنع لهما الطعام الذى يحبونه». وحتى بعد طلاقهما ظل الحب والاحترام والتعاون الفنى بينهما ولم ينقطع، حتى إن أيا منهما لم يتحدث مطلقا عن سبب الطلاق، لتبقى هذه العلاقة بين الجميلة والعملاق نموذجا للعلاقة الراقية والحب والاحترام الدائم الذى لا ينتهى بانتهاء العلاقة الزوجية، فكانت العلاقة بينهما أكبر من الزواج والصداقة والزمالة، وأقوى من الانفصال والموت والزمن.
كانت شويكار أصيبت منذ عامين بكسر فى الحوض أدى لبقائها بالمنزل فترة لم تستطع معها الحركة.
وفى حواره معنا تحدث محمد فؤاد المهندس عن العلاقة التى جمعت والده بالفنانة شويكار التى يطلق عليها «طنط شوشو»، قائلا: «بعد زواج والدى من «طنط شوشو» حرصت على التقرب لنا، وبالفعل نعتبرها والدتنا، لأننا عشنا معها فترات طويلة وشاركت فى تربيتنا، وتزوج أبى شويكار وكانت ابنتها منة عمرها 5 سنوات، واتفقا على ألا ينجبا وأن نتربى أنا ومنة وأخى أحمد معا كأشقاء وأبناء لهما معا، وبالفعل حتى الآن تمتد علاقتنا بطنط شوشو، ونعتبر منة شقيقتنا الثالثة، وكان أبى يعتبرها ابنته وأخذت منه طباعا كثيرة، وكان بيننا ترابط وحب، كما أن المهندس وشويكار كان لا يفعلان شيئا بدوننا، وكنا نحن الثلاثة دائما معهم فى الخروج والسفر والبلاتوه»، وتابع: «كان والدى لا يأكل إلا من يدها، وتحرص طنط شوشو دائما على إعداد الطعام الذى يحبه، لنجتمع على الطعام بعد المسرح»، مشيرا إلى أن كلا منهما كان يغار على الآخر ويحبه حبا شديدا.
يؤكد ابن فؤاد المهندس أنه لا يعرف أسباب طلاق والده من شويكار، وأن كلا منهما لم يتحدث فيها، قائلا: «ظلت علاقتهما قوية بعد الطلاق، وقويت الصداقة بينهما، فكانت تطبخ له الأكل الذى يحبه وترسله إليه، كما أنه كلما احتاج شيئا اتصل بها، فكانت ترد دائما «عنيا يافؤاد»، وكانت تقف بجواره إذا مرض وتكون أول شخص فى المستشفى، وكانت تحرص على زيارته دائما فى أواخر أيامه».
وأضاف محمد فؤاد المهندس أن والده والفنانة شويكار لم يفكرا فى التراجع عن الطلاق واستئناف الحياة الزوجية من جديد، مؤكدا أنه هو وشقيقه أحمد، ومنة ابنة الفنانة شويكار حاولوا التدخل ولكن محاولاتهم باءت بالفشل.
لا تزال النجمة الجميلة تعيش على ذكرياتها مع المهندس، وكان آخر أعمالها معه فيلم «جريمة إلا ربع» سنة 1990.
وكان آخر أعمال النجمة شويكار فيلم «كلمنى شكرا» عام 2009، والذى قامت فيه بدور أم إبراهيم توشكى السيدة البسيطة ابنة الحارة الفقيرة، وأدت دورها ببراعة شديدة، ورغم ذلك شعرت بالغربة أثناء تصوير الفيلم، فلم تعد الأجواء هى نفسها التى اعتاد عليها نجوم الزمن الجميل، بسبب السرعة وعدم الترابط والحميمية بين أبطال العمل الفنى، وبعدها ابتعدت عن الأضواء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة