كلنا شاهدنا الفيديوهات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعى للطفلة «ذكرى محمد الصادق» المعروفة إعلاميا باسم فتاة التروسيكل ببورسعيد، وشاهدنا كيف تم توثيق يديها بالحبال فى التروسيكل، وكيف ظهرت حافية ومنهكة ومضروبة ومسحولة على يد أحد أصحاب المطاعم بشارع البحر بحى المناخ،
وكلنا استرحنا قليلا عندما تدخل أحد المحامين من شهود واقعة الضرب والسحل بالتطوع للدفاع عن الطفلة المسحولة، وتحرير المحضر رقم 4524 لسنة 2018 جنح المناخ، ضد صاحب المطعم المعتدى، لكن يا فرحة ما تمت ويا للقهر الذى يهيمن علينا فى كل مكان وزمان، فما هى إلا ساعات وعلمنا من مراسلينا أن نيابة المناخ صرفت الشاب المعتدى من سراى النيابة دون توجيه أى اتهام له، لأن الطفلة الضروبة والمسحولة والمستعبدة، اضطرت لتغيير أقوالها أمام النيابة وعدم اتهام الجانى بأية اتهامات، رغم أن الفيديوهات المنشورة توضح كيف تعرضت للضرب والسحل والتوثيق بالحبال على يديه فى مشهد مهين وغير إنسانى بالمرة على مرأى ومسمع من المئات من أبناء حى المناخ
لماذا اضطرت الطفلة ذكرى محمد الصادق إلى تغيير أقوالها أمام النيابة وإنكار معرفتها بالجانى أو اتهامه؟ لماذا جاء والدها بسرعة من حى بولاق أبوالعلا بالقاهرة ليتسلمها ويمضى بها بعيدا عن بورسعيد كلها؟ ولماذا تم التنازل عن المحضر، وتحت أى شروط أو ضغوط؟ شهود العيان والمصادر القانونية وثيقة الصلة بالقضية والمحامون المتطوعون للدفاع عن ذكرى يقولون، إن ضغوطا مارستها أسرة الشاب المعتدى على الطفلة وأسرتها حتى تتنازل عن المحضر وتغلق الملف، رغم الإهانة والمهانة والعدوان الوحشى الذى تعرضت له «ذكرى»
نحن لا نكره أن يتم التراضى بين أطراف قضايا الشجار والمشاحنات وجرائم السب والقذف، لكن قضية «ذكرى محمد الصادق» ليست من هذا النوع من القضايا، فهى قضية إذلال ومهانة وعدوان وحشى لم يراع فيها الجانى أية نوازع إنسانية أو أخلاقية، كما لم يراع طبيعة الطفلة المعتدى عليها ولا الآثار النفسية المدمرة التى يمكن أن تتعرض لها، وأن تظل محفورة فى ذهنها وتحكم تعاملاتها لسنوات طويلة فى المستقبل، فطبيعة مجريات القضية من لحظة العدوان ثم اهتمام الناس وشهود العيان وتطوع المحامين للدفاع عنها مجانا ثم تحرير محضر رسمى وانتهاء بالتنازل عن المحضر وإسقاط الاتهامات عن الجانى، لا يعنى كل ذلك سوى كلمة واحدة: «القهر»، قهر الضحية وإذلالها وكسر نفسها وإشعارها بعدم الأمان والكراهية والرغبة الدائمة فى الانتقام
ما حدث للطفلة ذكرى محمد الصادق، يمسنا كلنا، يهيننا جميعا، وينتقص من إنسانيتنا رجالا كنا أم نساء، ويؤكد لنا أننا مازلنا نعيش فى تلك الغابة التى يفلت فيها المجرم بجريمته لمجرد أنه يستطيع جمع عناصر القوة فى يده، وتنكسر فيه الضحية المقهورة لأنها لم تجد من يدافع عنها حتى النهاية وينتصر لها فى مواجهة الظلم الواقع عليها والعدوان الذى تعرضت له والمهانة التى طالت من كرامتها
ربما أكتب هذه الكلمات حتى أبرئ ذمتى كرجل وأب وإنسان، وأقول إننى أنتصر للطفلة ذكرى محمد الصادق فى مواجهة الوحش الذى ضربها وسحلها وأذلها على مرأى ومسمع مئات من شهود العيان، أرفض كل أشكال التواطؤ ضد ذكرى، وأرفض كل أشكال القهر الممارسة ضد ذكرى، وأرفض كل أشكال الظلم الواقعة على ذكرى، وأشدد أن الجانى مازال جانيا ومتهما بالعدوان الوحشى على طفلة لم تتجاوز الرابعة عشرة، حتى لو تم صرفه من النيابة مائة مرة لعدم كفاية الأدلة!
#العدالة لذكرى محمد الصادق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة