ضربات أمريكية متتالية على الجمهورية الإسلامية فى إيران، فى إطار إستراتيجية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتقويض المارد الإيرانى، وإجباره على تعديل سلوكه المزعزع للاستقرار فى المنطقة، وقبيل أقل من 4 أسابيع من تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات المشددة (4 نوفمبر)، والتى تستهدف قطاع النفط الإيرانى والمصرفى، من أجل تصفير صادرات طهران النفطية وستكون أسوأ خطوة بالنسبة لبلد يعتمد على مبيعات النفط بشكل أساسى، خرج المرشد الإيرانى آية الله على خامنئى عن صمته أمام حاملى سيف النظام من قوات الحرس الثورى والباسيج، معترفًا بالوضع السيئ والحساس التى تمر به بلاده.. والسؤال المطروح هو: هل ستجر العقوبات صانع القرار الإيرانى نحو طاولة المفاوضات الأمريكية؟
الإجابة على التساؤل يكمن فى خطاب الزعيم الإيرانى المتربع فوق قمة هرم السلطة، والذى بثه التليفزيون الإيرانى أمس الخميس، أمام عشرات الآلاف من أفراد قوات الباسيج وقيادات الحرس الثورى المجتمعين فى استاد بطهران، والذى أكد فيه أن "إيران تواجه فترة حساسة بسبب التهديدات الأمريكية والمصاعب الاقتصادية.
المرشد الإيرانى
وأكد خامنئى أن "وضع الأمة والمنطقة والعالم حساس، خاصة بالنسبة لنا شعب إيران"، مضيفًا "حساس بمعنى أننا من ناحية لدينا صياح القوى المتعجرفة وساسة الإمبريالية الأمريكية.. ومن ناحية أخرى لدينا المشكلات الاقتصادية التى تواجهها الأمة وتضييق العيش على قطاع كبير من الضعفاء فى البلاد".
🎥رهبر انقلاب: باید به دشمن پیام قدرت بدهیم نه پیام ضعف. pic.twitter.com/865rWbJtAM
— خبرگزاری فارس (@FarsNews_Agency) October 4, 2018
وقبل عقوبات الرابع من نوفمبر المشار إليها، أقر خامنئى مسبقًا بأنها سيكون لها تأثير عميق على الاقتصاد الإيرانى، قائلاً "لدى مجتمعنا مشكلات اقتصادية وعيون منها "الاقتصاد النفطى (المعتمد على مبيعات النفط بشكل أساسى)، وضعف ثقافة ترشيد الاستهلاك، والإسراف، لكنه عاد ليقول إنها ليست عيبًا حقيقًا، فالعيب الحقيقى هو المأزق وانسداد الطريق وهو ما لا وجود له" - على حد تعبيره.
وفى الوقت نفسه، قال أن "إيران ستصفع الولايات المتحدة وستهزمها بهزيمة العقوبات"، مضيفًا أن أمريكا هزمت فى العراق وسوريا ولبنان وباکستان وأفغانستان، وستمنى بالمزيد من الهزائم لاحقاً، كما استعان خامنئى بما يسمى بـ"الاقتصاد الوطنى" أمام العقوبات الأمريكية، قائلاً اقتصادنا الوطنى سيكسر العقوبات المفروضة وسيوجه شعبنا بذلك صفعة أخرى لأمريكا".
عقوبات أمريكية مشددة فى "نوفمبر"
ويصل التصعيد الأمريكى الإيرانى ذروته، وفى الوقت الذى يعانى منه الاقتصاد الإيرانى من تدهور وتفشى الفساد والبطالة، وتردى غير مسبوق فى سوق العملة التى تخطت مطلع الأسبوع حاجز الـ20 ألف تومان للدولار الأمريكى الواحد، قبل أن يتراجع الدولار قبل يومين، سوف تفعّل الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية، والتى وتشمل الشركات التى تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة فى الشحن البحرى وصناعة السفن، وقطاع الطاقة الإيرانى، وخاصة قطاع النفط، وفرض عقوبات على البنك المركزى الإيرانى وتعاملاته المالية.
وبعد أن باتت الأزمات تفتك بالداخل الإيرانى، تسعى الدبلوماسية الإيرانية لتفادى هذا التصعيد، وفى أحدث تصريح لوزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، قال إنه لم يستبعد حدوث مفاوضات مع واشنطن، فى مقابلة للوزير الإيرانى، نشرتها هیئة الإذاعة البریطانیة "بى بى سى"، أول أمس الأربعاء، قال ردًا على سؤال حول ما إذا كان من المستحیل على إیران قبول عرض دونالد ترامب لمقابلته: "لا شیء مستحیل".
وبينما توعد الرئيس دونالد ترامب طهران بمزيد من العقوبات خلال خطابه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجلسة مجلس الأمن سبتمبر الماضى، يحمّل المرشد الأعلى ومعسكر المتشددين، الرئيس حسن روحانى الشخص الثانى فى هرم السلطة، تردى الأوضاع الاقتصادية، نتيجة ضعف فريقه الاقتصادى، واعتماده بشكل أساسى على الاتفاق النووى الذى انسحبت منه الولايات المتحدة فى الـ8 من مايو الماضى، فضلاً عن الاحتجاجات التى تشهدها إيران بين الحين والأخر، والوضع المتأزم داخليًا.
انتصار لإيران بطعم الهزيمة فى "لاهاى"
ومع تصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، انسحبت واشنطن أول أمس الأربعاء، من معاهدة الصداقة الموقعة مع إيران عام 1955، والتى استندت إليها الأخيرة فى رفع دعوة قضائية ضد الولايات المتحدة فى محكمة العدل الدولية "لاهاي" الشهر الماضى على خلفية العقوبات، وأصدرت المحكمة حكمهاأول أمس لصالح طهران، ما عداه مراقبون انتصار بطعم الهزيمة، بعد الانسحاب الأمريكى من المعاهدة.
وأبرمت هذه المعاهدة قبل نحو 63 عامًا، وتتضمن المعاهدة 23 مادة، أبرزها إقامة علاقات سلام وصداقة بين البلدين، والسماح لرعايا الدولتين بالدخول إلى أراضى البلدين والإقامة بها، بهدف التجارة لتعزيز التعاون التجارى، وإقامة علاقات اقتصادية وحقوق قنصلية بين البلدين، كما تتضمن البنود تفاصيل تتعلق بتسوية الخلافات الخاصة ذات الوجه القانونى، المختصة برعايا وشركات كلا الطرفين.
فى النهاية تؤكد المؤشرات أن طهران لن تعدّل من سلوكها مهما بلغ منها الضغط الأمريكى، ونالت منها العقوبات، فالأثر السلبى للعقوبات، الوحيد الذى سوف يشعر به والذى سيفت فى عضّه هو أضعف حلقة فى الصراع الأمريكى - الإيرانى أى (الشعب الإيرانى)، وظاهريا على المدى البعيد لن يعود صانع القرار الإيرانى إلى طاولة المفاوضات مجددًا كما يريد غريمه ترامب، أما الأخير عازم على تشديد الضغوط لتقويض المارد الإيرانى وإجباره على تغيير سلوكه وعرقلة تطوير برنامجه الباليستى للصواريخ والذى يهدد حلفاء واشنطن وعلى رأسهم إسرائيل.
مرشد إيران
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة