استطاعت بدموعها التى انهمرت أمام العالم وهى تروى قصتها المأساوية أن تلفت الأنظار لمحنة أهلها التى كشفت عن أحد جوانب عالم داعش المريع فى سوريا والعراق.
ولأن الأمر تطلب شجاعة كبيرة وقدرة على الصمود، ولأن قصتها تحولت إلى قضية مهمة وكانت الحلقة الأولى كشفت من بعدها عن مآسى مماثلة حركت المجتمع الدولى، لم يكن فوز الإيزيدية نادية مراد بجائزة نوبل للسلام هذا العام مفاجئا، وإن كان يبدو متأخرا.
نادية مراد، فتاة عراقية إيزيدية من منطقة سنجار التى يقطنها الإيزيديون، ولدت عام 1993 بقرية كوشو الصفير شمال العراق. وقعت فى أسر تنظيم داعش عام 2014 عندما اقتحم المسلحون القرية ونفذوا إبادة جماعية قتل فيها المئات فى ساعة واحدة بينهم إخواتهم الستة الذى ماتوا أمام عينيها، وتم اقتياد نادية وأكثر من 150 امرأة إيزيدية أخرى إلى الموصل، وظلت فى قبضته ثلاثة أشهر، تعرضت فيها للاستعباد الجنسى.
نادية مراد
عرف العالم قصة نادية عندما تحدثت فى 18 ديسمبر 2016 فى مجلس الأمن الدولى، وروت كيف تم اغتصابها من قبل أعضاء التنظيم واستعبادهن جنسيا هى وبنات إيزيديات أخريات، حيث تباع وتشترى بينهم. وقالت نادية وقد غلبتها الدموع: "لم أكن وحدى، وربما كنت أكثرهم حظا، وبمضى الوقت وجدت وسيلة للهروب، فى حين لم يستطع ذلك آلاف آخرون، ما زالوا محتجزين "، كما تقول نادية.
أنا هنا لتمثيل الذين ذهبوا ولا يمكننا إعادتهم للحياة
وتابعت قائلة: "أنا هنا لتمثيل أولئك الذين ذهبوا ولا يمكننا أن نعيدهم (للحياة). وبذكراهم فى قلوبنا سنستمر دائما فى مواصلة النضال". ومنذ هذا اليوم بدات دعوتها لحق الإيزيديات فى الحياة والحق فى العيش فى سلام.
تم تعيينها سفيرة نوايا حسنة من قبل الأمم المتحدة فى سبتمبر 2016 لمكافحة الغتجار باليشر من أجل التنبيه بمعاناة ما يقدر بـ 3400 من النساء والأطفال الإيزيديين الذين كانوا لا يزال فى براثن داعش.
وتسعى لمحاسبة داعش أمام المحكمة الجنائية الدولية بدعم من المحامية الشهيرة أمل كلونى. وحصلت على جائزة سخاروف لحرية الفكر مناصفة مع مواطنتها لمياء حجى بشار عام 2016.
وفى أغسطس الماضى، تزوجت نادية مراد من عابد شمدين، المترجم السابق للجيش الأمريكى، ويعيش الزوجان فى ألمانيا.
الطبيب القادم من أرض أفريقية بعيدة
أما من يشارك مراد فى جائزتها، فهو طبيب قادم من أرض أفريقية بعيدة، لكن قضيته تحمل سمات مشتركة من مأساة الفتاة العراقية، فقد أمضى حياته يعمل مع ضحايا العنف الجنسى فى الحرب الوحشية فى بلاده جمهورية الكونغو الديمقراطية.
دينيس ميكويجى عرف عنه عمله مع مؤسسة بيل جيتس الخيرية، وقال عن نفسه إنه منذ كان فى الثامنة من العمر كان يحلم بأن يكون طبيبا ومع تقدمه فى السن أراد مساعدة الأطفال والنساء فى الأساس بعد رؤيته صعوبات الحمل والولادة ومعاناة الأطفال فى بلاده التى لم يكن بها رعاية صحية متخصصة، ولم تكن هناك مساعدة حقيقية سوى بالصلاوات التى كان يؤديها والد موكويجى الذى كان كاهنا.
موكويجى
بعد دراسته للطب فى بوروندى عاد لبلاده حيث أسس مركز طبى لرعاية النساء والأمهات فى مدينة بوكافو، لكنه فوجئ بأن أول مريضة يقابلها لم تكن تعانى مشاكل الحمل أو الولادة بل كانت ضحية اعتداء جنسى.
لم يعرف فى البداية كيف يساعد المرأة
وقال إنه فى البداية لم يعرف كيف يساعد المرأة قائلا "لم أكن أتوقع أن أقوم بمثل هذا العمل" مضيفا "فى كل عام كان هناك مزيدا من الحالات" وكان السبب فى تزايد هذه الحالات هو أن الاغتصاب والعنف الجنسى كان سلاح حرب يستخدم بشكل ممنهج لإخافة الناس وإجبارهم على ترك منازلهم وقراهم.
فى البداية كانت المساعدة التى يقدمها موكويجى طبية فقط، لكنه اكتشف أن هذا غير كاف لأن ضحايا الاغتصاب عادة ما يعانون من أضرار نفسية لا يستطيعون معها العودة لحياة بشكل طبيعى.
فى عام 1991 مستشفى بانزى فى مدينة لوكافو، وكانت مؤسسته تقوم على أربعة أعمدة أولها هو الرعاية الطبية والثانى هو الدعم النفسى للمريض، والثالث هو دعم المرضى على المستوى الاقتصادى الاجتماعى والرابع هو تقديم المساعدة القانونية.
عالج مع فريقه عشرات الآلاف من ضحيا العنف الجنسى والعنف على أساس النوع، وأغلبها جرائم ترتكبها قوات مسلحة فى بلاده التى أشارت دراسة أجريت عام 2011 أن 48 امرأة تتعرض للاغتصاب فيها فى كل ساعة.
إدانة الحصانة من الاغتصاب الجامعى
فى عام 2012، ألقى ميكويجى خطابا أمام الأمم المتحدة حيث أدان الحصانة من الاغتصاب الجماعى فى الكونغو، وانتقد حكومة بلاده ودول أخرى لعدم بذل ما يكفى من أجل وقف ما وصفه بالحرب الظالمة التى استخدمت العنف ضد النساء والاغتصاب كإستراتيجية حرب.
وتعرض فى أكتوبر 2012 لمحاولة اغتيال من قبل أربعة مسلحين هاجموا مقر إقامته، لكنه لم يكن فى المنزل، فأسروا بناته وانتظروا حتى عودته لقتله، وقبيل عودته تدخل حارسه لإنقاذه وقتل بدلا منه. بعد محاولة الاغتيال توجه إلى أوروبا. وتضررت أعمال مستشفى بازنى جراء هذا، لكنه عاد فى يناير 2013 حيث استقبله الكونغوليون بالترحاب واحتشدوا لمسافة 20 ميل على طريق المطار لاستقباله.
وفى 2014 فاز بجائزة سخاروف من البرلمان الأوروبى بفضل جهوده فى مكافحة العنف الجنسى فى الحروب.. وبجانبها حصل ميكويجى على جوائز أخرى منها جائزة حقوق الإنسان الخاصة من فرنسا عام 2007، وجائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 2008، وجائزة من مؤسسة كلينتون عام 2011، وتوج مشواره الطويل فى الجواز بنوبل للسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة