عندما نتحدث عن حرب أكتوبر بعد 45 عاما نكتشف أن هذه الحرب مثل كل الأحداث الكبرى تعرضت للظلم فيما يتعلق بالتوثيق والتفاصيل المهمة. وفى السينما أو الأفلام الوثائقية، تكتشف أن ما هو متاح قليل بالنسبة لقيمة الحدث، وليس فقط فى أكتوبر لكن فى الكثير من المعارك والأحداث، وفى المقابل هناك مئات الكتب والأفلام الوثائقية أنتجتها جهات خارجية وبعضها إسرائيلى، وهى أعمال بعضها تنقصه الدقة، والبعض الآخر يهدف إلى تزييف الوقائع والتواريخ، وهناك على سبيل المثال فيلم وثائقى عن الرئيس أنور السادات يزدحم بالكثير من المعلومات الخاطئة ويزيف تاريخ مصر ويخلط بين الأشخاص والقادة وأدوارهم من يوليو 52 إلى ما بعد حرب أكتوبر ويعتمد على مصادر تافهة.
وهذه الأعمال تحتل مكانها وتمثل مصادر للبعض فى التاريخ، وأمام ضعف المحتوى العربى فإن هذه الوثائقيات تبقى هى المصادر الأساسية للمعرفة وتشكيل وغى أجيال مختلفة، وإذا كانت الأحداث المعاصرة سياسية واجتماعية تخضع للتزييف والتلاعب فما بالنا بأحداث ترجع لأكثر من اربعين عاما وتتعلق بأطراف أخرى، وهناك بالفعل عدة أعمال وثائقية تحدثت عن حروب مصر ومنها حرب أكتوبر وأغلبها يفتقد للدقة، لكن سيكون المتلقى مضطرا لأن يعتمد عليها طالما لا توجد مصادر مصرية أو عربية لهذه الأحداث.
وفى بعض الأحيان يكون التردد والخوف سببا فى عدم تقديم توثيق الأحداث الكبرى، بالرغم من أن الوثائقيات تعد مواد خام ومهمتها تقديم شهادات للأطراف المختلفة أو الأحداث، وكما أشرنا فإن السينما العالمية والكثير من المحطات الإخبارية والشبكات أنتجت مئات الأفلام السينمائية والوثائقية عن الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة، خلت أغلبها من أى شهادة أو وثيقة عربية فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وكل دول أوروبا تقريبا التى شاركت أو تعرضت للحرب العالمية، قدمت أفلاما عن قصص وحكايات تخصها ربما لم تحظ بشهرة أفلام هوليود لكنها تظل تسجيلا لأحداث مهمة، فى السينما العالمية تم تقديم قصة القناص الروسى «فاسيلى» أسطورةً الحرب العالمية، فى فيلم ناجح، ولدينا قصة عبدالعاطى صائد الدبابات الذى أسقط وحده 23 دبابة إسرائيلية، بـ«الآر بى جى» وجها لوجه ومن بين بطولاته تدمير دبابتين ومجنزرة مرة واحدة، وثلاث دبابات هاجمت كتيبته، وقد شاهدنا بطولة فاسيلى القناص الروسى، وأعجبنا بها وتظل بطولة عبدالعاطى أسطورة أخرى تضاف لبطولات ولا نبالغ أن حالة عبدالعاطى وزملائه من أبطال أكتوبر مثل الحرب نفسها مسجلة فى وثائق الأكاديميات العسكرية بينما نعجز نحن عن تقديم فيلم وثائقى أو سينمائى أو تليفزيونى عنه.
فيما يتعلق بالسينما اكتفينا بعدة أفلام تم إنتاجها على عجل، أغلبها سطحى وضعيف، وكانت هناك مشروعات متعددة أثيرت فى مناسبات مختلفة، لكنها توقفت، ونحن هنا لا نتحدث عن حرب أكتوبر فقط، لكن عن غياب الوثائقيات فى زمن يمثل فيه المحتوى المرئى أهمية بجانب المحتوى المكتوب، ولدينا فقر كبير فى توثيق تاريخنا الحديث والمعاصر، بينما نوجه الكثير من الإنفاق على أعمال وبرامج لا يشاهدها أحد.