فى منتصف ليلة من ليالى أواخر صيف 2014، سمع المواطن العراقى عمر عبد الجبار، من سكان الموصل، صوت الطرق على باب بيته، كان قد مر حينها 3 أشهر على مهاجمة داعش مدينته، وكان المواطنون يصابون بالهلع عندما تطرق أبوابهم ليلاً، لأن مسلحى داعش وحدهم كانوا يطرقون الأبواب فى الليالى، ليفتح الباب هو ووالده خائفان، فوجدا سيدة منقبة تطلب منهم إيواءها، السيدة التى سحبها عمر بقوة وسرعة إلى داخل الدار كانت نادية مراد، الفتاة الكوردية الإزيدية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام هذا العام، وكانت سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة.
العراقى عمر عبدالجبار يدعو فى سره أن لا يكون أهل الحى قد رأوا نادية، لأنه فى حال أبلغ أحد جيرانهم تنظيم داعش بفعلة عمر تلك فإن مصيراً أسود كان بانتظاره.
ورغم الشهرة الكبيرة التى حازت عليها العراقية الإيزدية نادية مراد، إلا أن الأضواء أقصت الشخص الوحيد الذى كان له الفضل فى ما هى عليه اليوم.
عمر عبدالجبار منقذ نادية مراد
تفاصيل ليلة اختفاء نادية مراد من براثن تنظيم داعش فى الموصل
قال عمر نوفل عبد الجبار : طلبت من العائلة (أمى، أبى، زوجتى وابنى مصطفى) أن أفتح الباب وأتحدث مع هؤلاء الكلاب الدواعش الذين لا يخجلون من أنفسهم ويطرقون أبواب الناس فى هكذا ساعة متأخرة من الليل .
وطرق الباب مرة أخرى فقلت :
حسناً … حسناً … جئت لافتح الباب، لكن حينما فتحته رأيت فتاة منقبة بنقاب أسود اللون .
من أنتِ يا أختاه ؟؟؟
أنا فتاة إيزيدية هاربة من براثن الدواعش وأستجير بكم .
من الذى أوصلكِ إلى هنا ؟
هربت وابتعدت عن أنظارهم وعن طريق الصدفة طرقت بابكم، أرجو أن تفتح لى الباب للدخول لأن سياراتهم تجوب فى الشوارع وسيلقون القبض على.
ويقول عمر الجبار إنه قال فى هذه اللحظات لنادية أدخلى يا أختاه بسرعة، تلك هى سيارة دورية للدواعش آتية، فدخلت بسرعة وأغلقت الباب:
كنت خائفاً من شخص أو سائق أوصلك إلى هنا ثم يبلغ عنك.
لا لقد جئت هارباً ولا يعلم أحد بمجيئى إلى هذا الحى.
العراقية نادية مراد الحاصلة على جائزة نوبل للسلام
نادية: السلام عليكم أيتها العائلة الكريمة.
والد عمر: أهلاً بكِ يا ابنتى، وأعلمى أنكِ فى داركِ وبأمان.
والدة عمر: تناولى العشاء وخذ راحتك.
قلت لها: يبدو من ملامحك إنك مريضة جداً.
نادية: نعم أنا مريضة وأتألم جداً لكن سأتحمل عسى الله أن ينقذنى من هذه المصيبة .
عمر: سنأخذك إلى المستشفى .
نادية: لا دعنى بألامى.
عمر لا تخافين لا يعلم أحد بأمرك وستحملين هوية شقيقتى.
نادية مراد تروى قصة تهريبها إلى مواقع البشمركة ثم إلى أربيل
نادية مراد تحدثت فى كتابها (الفتاة الأخيرة... قصتى فى الأسر ومعركتى ضد تنظيم داعش) عن عائلة عمر، وتقول: "لا أعلم لماذا كانوا طيبين إلى تلك الدرجة، فى حين كان جميع أهل الموصل بذلك السوء"، وكانت عقوبة إيواء إيزيدية فى المناطق الخاضعة لداعش هى الموت، وكل من كان يسلم إيزيدية لداعش يكافأ بـ 5 آلاف دولار.
عمر، الذى هاجر إلى ألمانيا منذ 3 سنوات، أخبر مجلة "تايم" الأمريكية بالقول "نحن لم نفكر فى تلك الأمور"، وعلى العكس من توقعات نادية، فإن العائلة طلبت من نادية أن تبقى عندها لحين العثور على طريق لإخراجها من الموصل، فاتصلت العائلة الموصلية بأخ لنادية كان يعيش فى مخيم للنازحين فى إقليم كردستان وخططت معه لتهريب نادية من الموصل، حيث استخرج أحد أبناء عمومة عمر هوية مزورة لنادية تظهر أنها زوجة عمر، وأنها تريد السفر إلى كركوك لزيارة أقاربها هناك.
عمر عبد الجبار
ويقول تقرير المجلة الأمريكية إن عمر رافق نادية حتى مواقع البيشمركة ثم إلى أربيل، ليعود إلى الموصل فى اليوم التالى، وفى نفس اليوم طرق بابهم مرة أخرى، لكن الطارق هذه المرة كان داعش، وفى حديثه لمجلة "تايم" يروى أبو عمر كيف أن ابنه هرب من سطح دار إلى آخر.
واقترض عمر 7 آلاف دولار من قريب له وصديق ليخرج هو وزوجته الحامل وطفلهما من الموصل نحو أوروبا، لكن تبين لهم أن طريق التهريب صعب جداً على زوجته وابنه، فأعادهما إلى الموصل وتوجه هو إلى تركيا، وبعد أسابيع قضاها فى تركيا ثم اعتقاله فى بلغاريا، وصل عمر إلى ألمانيا فى 2015.
ألمانيا ترفض منح عمر عبدالجبار صفه اللجوء السياسى
خلال السنوات الأربعة الأخيرة، إلتقت نادية مراد المئات من المسؤولين وممثلى الدول وقرأ الملايين حول العالم قصة خطفها وتعذيبها واستعبادها، بخلاف قصة عمر التى لم يعرفها أحد غيره هو وعائلته، وبعد 3 سنوات من الانتظار رفضت الحكومة الألمانية منحه صفة لاجئ، وكانت دائرة الهجرة الألمانية قد أمهلت عمر أولاً حتى مايو 2018 للبقاء فى ألمانيا، وهو الآن يطلب تمديد المهلة، وتطالبه الحكومة الألمانية بجواز سفر لكنه ليس لديه جواز سفر، وعرض عمر ملفه للجوء على المجلة الأمريكية، وفيه رسالة من نادية مراد تتحدث فيه عن الخطر الذى تعرضت له حياة عمر فى سبيل إنقاذها.
عمر عبد الجبار
ويمثل عمر شخصية رئيسة فى كتاب نادية، لكن الكتاب يشير إليه باسم مستعار، ناصر، لأن الكشف عن اسمه يعرض حياته وحياة جميع أفراد عائلته للخطر.
منقذ نادية مراد لا يرى أمامه أى أفق مضىء يشير إلى طريق ينقذه مما هو فيه، وسلواه فى الحياة هى أنه يتحدث ليلاً من خلال وسائل التواصل مع زوجته وطفليه، فيما يفكر فى مرات كثيرة فى إنهاء حياته، وقد منعه صديق له من الانتحار مرتين.
وحسب تقرير "تايم" فإن عمر لم يتواصل مع نادية مراد منذ أشهر، رغم أن المسافة بين المدينتين اللتين يقيمان فيهما هى كالمسافة بين الموصل وقرية كوجو التى هاجمها داعش قبل 4 سنوات، وقد اتصل الاثنان ببعضهما عدة مرات فى السنوات الثلاثة الماضية، لكم رقم هاتف نادية الذى كان يكلمها منه مغلق الآن.
عمر ليس نادماً على ما فعله هو وعائلته من أجل نادية مراد، ويقول: "أنت لم تر الفرحة فى وجوه أفراد عائلة نادية مراد، لذا لن تعرف ما كانوا يشعرون به، كان على كل شخص آخر أن يفعل ما فعلناه نحن".
العراقية نادية مراد الحاصلة على جائزة نوبل للسلام
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة