وكما اعتدنا فى كل مقال بسلسلة مكارم الأخلاق أن نبدأه بقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم
" إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
أما عن الأخلاق فهى كما ذكرت فى المقالات السابقة هى المنظم الأساسى للمجتمع والتى إن تم استدعائها من مخابئها واستعادتها وتفعيلها من جديد ستكون بلا شك المنقذ الوحيد والمخرج الآمن للوطن من عنق الزجاجة الذى اختنق به سنوات طويلة عندما بدأت الأخلاقيات والقيم والتقاليد فى التلاشى والحفظ فى ألبومات للذكريات فحسب !
وقبل أن أتطرق للقيمة الأخلاقية التى يختص بها مقال اليوم، وهى "الشهامة والمروءة" أود عرض قواعد السعادة السبع لأمير المؤمنين "على بن أبى طالب"، فما هى إلا مجموعة من الأخلاقيات الحميدة :
١- لا تكره أحدا مهما أخطأ فى حقك.
٢- لا تقلق أبدا مهما بلغت الهموم.
٣- عش فى بساطة مهما علا شأنك.
٤- توقع خيرا مهما كثر البلاء.
٥- أعط كثيرا ولو حرمت.
٦- ابتسم ولو القلب يقطر دما.
٧- لا تقطع دعاءك لأخيك
لا شىء فى الطبيعة يعيش لنفسه
• النهر لا يشرب ماءه •
• الأشجار لا تأكل ثمارها •
• الشمس لا تُشرق لذاتها •
• الزهرة لا تعبق لنفسِها •
" فلنعيش لبعضنا "
فنكون عونا لبعض ولا نكون سببا لتعاسة بعضنا البعض
إذا لم تنفع فلا تضر
أما عن الشهامة والمروءة فكل منا يعرف هاتان الكلمتان جيداً ولكننا قد لا نعرف عن معانيهم الكثيرة سوى أنهم رمزان للجدعنة والنخوة مع الآخرين بالمعنى الشعبى الشائع .
ولكن للشهامة والمروءة تعريفات مفصلة قد لا يعرف معظمنا عنها أى شىء، وإليكم بعض المعلومات عنهما كما يلى:
"الشهامة "
مصدر شهم
والشهم: الذكى الفؤاد المتوقد، والجمع "شهام"
وقيل: الشهم معناه فى كلام العرب:
(الحمول، الجيد القيام بما يحمل، طيب النفس بما حمل )
أما معنى الشهامة اصطلاحًا:
قال ابن مسكويه: (الشهامة هى: الحرص على الأعمال العظام توقعًا للأحدوثة الجميلة) .
وقيل الشهامة هى: (الحرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذكر الجميل عند الحقِّ والخلق) .
وقيل هى: (عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل).
فالنبى صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه، وشهامته، ورغبته فى هدايتهم، فإنَّ الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء، لها أثر كبير فى ذهاب العداوة، أو تخفيفها.
لذا فالشهامة من مكارم الأخلاق الفاضلة وهى من صفات الرجال العظماء. تشيع المحبة فى النفوس. تزيل العداوة بين الناس. فيها حفظ الأعراض، ونشر الأمن فى المجتمع. إنَّها علامة على علو الهمة، وشرف النفس.
ومن الوسائل التى تعين المرء على اكتساب صفة الشهامة: "الصبر": قال الراغب الأصفهانى: الصبر يزيل الجزع، ويورث الشهامة المختصة بالرجولية
(الذريعة إلى مكارم الشريعة) للراغب الأصفهانى (ص 115).
أما " المروءة" فهى:
صدقٌ فى اللسان ، واحتمال للعثرات ، وبذل للمعروف ، وكف للأذى ، وكمال فى الرجولة ، وطلاقة للوجه ، المروءة من خصال الرجولة فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة.
-فالمروءة مع الله تعالى: بالاستحياء منه حق الحياء، وأن لا يقَابَل إحسانه ونعمته بالإساءة والكفران والجحود.
-. المروءة مع النفس: بحملها على ما يجمّلها ويزينها وترك ما يدنّسها ويُشينها، والارتقاء بها إلى مراتب الحكمة
-. المروءة مع الخلق: بالسعى فى قضاء حاجاتهم وبشاشة الوجه ولطافة اللسان وسعة الصدر وسلامة القلب، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك .
كما أن لنا فى قصة موسى عليه السلام التى وردت فى القرآن الكريم، أسوة حسنة فى ما يخص فضيلتى الشهامة والمروءة :
قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 23- 24].
أما عن الشهامة والمروءة فى العصر الحديث ، فبالكاد تجدهما ولكن بعد تظن كل الظن أنه لم يعد لهما أى وجود !
فقد تربينا بمجتمعات شرقية تحترم الأديان وتقدس العادات والتقاليد وتتكاتف عندما تحل الشدائد والملمات ويتكأ كلُ منا على الآخر عندما يضيق به الحال وهو مطمئن القلب،
أين ذهبت تلك الفضائل ومن ذا الذى أطاح بها لصالح أخرى دخيلة لا نعرفها ولا تعرفنا ولا تليق بنا ؟
أين الأمان والإطمئنان عندما كانت الفتاة تخرج ذهاباً وإياباً دون خوف أو جزع، فإن حدث لها مكروه أو تعرض لها أحد بسوء، تجد عشرات بل مئات المدافعين ممن لا تعرفهم ولا يعرفونها، ولكنها الشهامة والمروءة التى كان يتحلى بها المصريون إلى زمن ليس ببعيد !
أما فى تلك السنوات الصعاب لا يأمن المرء جاره أو صديقه أو حتى أحد أقاربه فى بعض الأحيان !
فبات أمراً مألوفاً عادياً أن تتعرض الفتيات والسيدات للتحرش وربما الإغتصاب وفى أماكن مكتظة بالآخرين الذين يسلكون آنذاك منهج (لا أسمع ، لا أرى ، لا أتكلم) وأضيف عليهم ( لا أتدخل )!
فكم من مرات سمعنا عن مواطنين تعرضوا للسرقة والضرب وربما القتل فى بعض الأحيان، ذلك فى وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع ممن تواروا خلف أتربة الخيبة والضعف والخذلان لأنفسهم قبل أن يكون للآخرين !
نهاية أعزائى : فهل نسعى لإحياء شهامتنا ومروءتنا وخصالنا الطيبة وقيمنا الأخلاقية الأصيلة التى تعانى المرض والضعف العام حتى كادت أن تموت وتموت معها هوياتنا؟
وخير ختام لمقال اليوم كما هو المعتاد كلمات النبى صلى الله عليه وسلم عن الشهامة والمروءة :
وفى ذلك حديث عائشة أمِّ المؤمنين فى بداية نزول الوحى، والذى فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلَّا واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدًا، إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضَّيف، وتعين على نوائب الحقِّ... )). .
و((عن أبى ذرٍّ رضى اللَّه عنه قال: سألت النَّبى صلى اللَّه عليه وسلم: أى العمل أفضل؟ قال: إيمان باللَّه، وجهاد فى سبيله. قلت: فأى الرِّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النَّاس من الشَّرِّ، فإنَّها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) .
- وعن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النَّبى صلى الله عليه
وسلم قال: ((السَّاعى على الأرملة والمسكين، كالمجاهد فى سبيل اللَّه وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصَّائم لا يفطر))
- وعن سهل رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم فى الجنَّة هكذا، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا).
وإلى لقاء مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة