تنعم أعماق البحار والمحيطات حول العالم بغنى من ناحية النوادر الطبيعية التى لم تقتصر مع الاكتشافات الحديثة على الأسماك والشعاب المرجانية النادرة، بل وضمت أيضًا الآثار التاريخية التى تدل على وجود حضارات فانية مرت على تلك الأراضى قبل أن تغمرها المياه فى إطار التحول والتطور الذى يشهده الكوكب على مر العصور.
ولم يقف الإنسان فى موقف المتفرج فى انتظار ما ستهبه إليه الطبيعة من منحوتات وتماثيل واكتشافات فى أعماق البحار والمحيطات، بل تدخل مستغلًا التقدم العلمى لبناء المتاحف تحت الماء كمثيلاتها فوق الأرض، سواء كان ذلك باستخدام تماثيل ومجسمات حديثة التصميم والنحت، أو عن طريق استغلال المنحوتات المكتشفة.
متحف مصرى تحت الماء فى مدينة دهب
ومن أمثلة هذا، إقامه مجموعة من محترفى رياضة الغطس فى مدينة دهب، بمحافظة جنوب سيناء، متحفًا تحت الماء، منذ ما يقرب من عامين، والذى يضم تماثيل للإله المصرى القديم حورس وعددا من القطع الفرعونية الأخرى فى أعماق البحر الأحمر.
وصمم الغواصين المصريين، منحوتات حديثة – ليست أثارًا حقيقة - تجسد كرسى فرعونى، الإله بس، الإله حورس، مومياء قديمة، وفيل، ورغم أن ذلك المتحف صمم منذ فترة، إلا أن الفكرة جذبت شبكة "سكاى نيوز" الإخبارية، لإعادة تسليط الضوء عليها مرة أخرى، لإبراز المعالم السياحية التى تمتاز بها المدن الساحلية المصرية، والتى تتمتع بمزيج من متعة الغطس ومشاهدة الشعاب المرجانية والأسماء النادرة، إلى جانب توافر الإطلاع على أحد جوانب التاريخ المصرى تحت الماء.
والمتحف المصرى، كان أساسه العامل البيئى، حيث أن التماثيل تكون بمثابة عامل جذب للأعشاب الصغيرة فى المياه، بحيث تتكون عليها بدلًا من الاضطرار للسفر لمسافات طويلة حتى تلتصق بجسم صلب، وأوضح الغواصون القائمون على المشروع، أنه كان مفيدًا على الجانب الآخر المتعلق بالغوص لمساعدته على توسيع مناطق الغطس فى المنطقة.
أول متحف تحت الماء فى العالم بإسبانيا بعمق 15 مترا
وتفتح التجربة المصرية أعيننا على تجارب أخرى مماثلة حول العالم، حيث افتتح متحف اتلانتيكو فى إسبانيا تحت الماء، فى يونيو 2017، والذى يقع بالقرب من ساحل لانزاروت فى جزر الكنارى فى إسبانيا، ويحتوى المتحف على 12 منشأة، وهو الأول من نوعه فى أوروبا، ويقع هذا المتحف على عمق 15 مترا من المحيط الأطلسى، ويضم 300 تمثال من إبداع الفنان البريطانى جايسون تايلور الذى جسد منحوتات بشرية مميزة تعبر عن واقع المجتمع، وتهدف إلى خلق حوار بصرى بين الفن والطبيعة.
ويمكن للزوار التمتع بالمتحف عن طريق الغوص أو عبر القوارب الزجاجية، وهذه المرة الأولى التى يفتتح فيها المتحف بعد أن اكتملت جميع المنحوتات، مشيرة إلى أنه منذ إنشائه لا يزوره سوى الغواصين والسباحين، وقال جايسون تايلور – عقب افتتاح المشروع الذى استغرق عامين - "إن المتحف سيكون بوابة إلى عالم آخر، والعديد من التماثيل تجسد أشخاصا حقيقيين، كما تهدف التماثيل إلى القضايا العالمية مثل تغير المناخ، وأزمة الهجرة وعدد من القضايا الأخرى".
أول متحف تحت الماء بالمكسيك له أهداف تفيد الطبيعة البحرية
وفى يونيو 2017، أيضًا، ابتكر نفس الفنان البريطانى جاسون دى كيريس تايلور - الذى قضى أكثر من 20 عاما فى الغوص فى أعماق البحار، وقضى معظم طفولته فى استكشاف الشعاب المرجانية فى ماليزيا - طريقة جديدة لجذب السياح إلى الماء ومشاهدة التماثيل المنحوتة التى تعبر عن الحالة البشرية فى كل تجلياتها.
حيث صمم متحفًا يقع على عمق 28 قدمًا تحت مياه المحيط قبالة سواحل مدينة دى موخيريس المكسيكية، ويطلق على المتحف اسم "موسى"، وصنعت تماثيله البالغ عددها أكثر من 500 تمثالاً من الخرسانة النباتية، والهدف منه تشجيع نمو النباتات البحرية، وزيادة الثروة السمكية فى المنطقة عن طريق جذب السياح إلى هذا المتحف، ومعظم التماثيل التى يحويها متحف موسى كلها تتخذ أشكال البشر، وذلك لأن البشر دائما ما يتعاطفون مع ما يشبههم ويمثل حالاتهم، ويمكن للزوار الحصول على نظرة من مكان قريب عن طريق الغوص فى قاع المحيط، وقد بدأ المشروع فى عام 2009 فى محاولة لحماية الشعب المرجانية لأمريكا الوسطى المهددة بالانقراض (ثانى أكبر حاجز مرجانى فى العالم) عن طريق تحويل الغواصين والسباحين لموسى.
مدينة رومانية غارقة تحت الماء بسبب أمواج تسونامى
وإلى جانب الإبداع البشرى المعاصر، تمكنت بعثة إيطالية، فى سبتمبر 2017، من اكتشاف مدينة رومانية فقدت منذ عام 1600 تحت الماء، بسبب أمواج تسونامى، التى دمرت منطقة البحر الأبيض المتوسط، وبالتحديد فى موقع نيابوليس بخليج الحمامات التى تقع شمال شرق تونس.
وأوضح علماء الآثار – حينذاك - أن المدينة الرومانية ترجع إلى نيابوليس، فقد تم العثور على حوالى 100 دبابة تستخدم لإنتاج السمك المالح، جاء ذلك بحسب ما ذكر موقع "الديلى ميل" البريطانى، كما كشفت الحملة تحت الماء عن علامات الشوارع والمعالم الأثرية لـ نيابوليس، التى تعنى "مدينة جديدة" باللغة اليونانية، مضيفين أن مدينة نيابوليس، تعد من أكبر مركز العالم الرومانى لإنتاج الثوم وتصنيع السمك المالح، ولفت الباحثون، إلى أن الحسابات التاريخية تشير إلى أن المدينة أصيبت بأمواج تسونامى فى 21 يوليو عام 365 ميلادي، ما يعنى أن العديد من أنقاض نيابوليس مغمورة جزئيا تحت الماء.
أكبر مغارة غارقة فى العالم بالمكسيك
كذلك، تمكنت مجموعة من الغواصين من اكتشاف وصلة بين كهفين تحت الماء فى شرق المكسيك، فى يونيو 2017، مما يكشف عما يعتقد أنها أكبر مغارة غارقة على وجه الأرض وهو اكتشاف قد يساعد فى إلقاء المزيد من الضوء على حضارة المايا القديمة.
وقال مشروع جران أكويفيرو مايا المخصص لدراسة المياه الجوفية فى شبه جزيرة يوكاتان والحفاظ عليها، إن المغارة التى تمتد 347 كيلومترا تم استكشافها بعد تفقد متاهة من القنوات المغمورة على مدى شهور، وقال المشروع، إن المجموعة توصلت إلى أن شبكة الكهوف المعروفة باسم ساك اكتون قرب شاطئ منتجع تولوم والتى كانت تمتد 263 كيلومترا موصولة بشبكة دوس أوخوس التى يبلغ طولها 83 كيلومترا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة