القتل اختلفت أساليبه وتعددت، واتفقت مبادئ عقوباته، ولكن مع تغير الظروف والسلوك، دائما ما تكون هناك متغيرات، لصناعة جريمة بدون أدلة أو قرائن، القتل الأبيض توصيف جديد، لجرائم كاملة بدون عقوبة لغياب الدليل والقرينة، وبدورها انطلقت "اليوم السابع" لاختراق الغرف المظلمة لعالم الجريمة لتكشف كواليس الإجرام الحديث فى حوار مع الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية وخبير علوم الجريمة.
قتل
فى البداية.. ما هو تعريف القتل الأبيض.. وما الفرق بينه وبين القتل العادى؟
القتل الأبيض هو نوع من أنواع الجريمة التى تكون دائما بدون "سلاح ممسوك أو دليل ملموس"، كما أنه فى العادة يكون بدون قرينة أو إدانة واضحة لأحد الأشخاص، إلى جانب أنه متنوع تبعا لاختلاف العصور والثقافات والتكنولوجيا والتطورات المجتمعية، فقديما كان القتل يعتمد على استخدام أداة معروفة سواء كانت سلاح أبيض مثل الـ "سكين أو المطواة أو حتى الشفرات" أو بالأسلحة النارية مثل الـ "طبنجة، أو البندقية..إلخ"، وهذا هو القتل المعتاد والمتعارف عليه.
فى رأيك ما هى أنواع القتل الأبيض.. وكيف يمكن التعرف عليها؟
خلال السنوات الأخيرة ومع بداية دخول الإنسان إلى مرحلة العصر الحديث، أصبح من الممكن القتل بدون "تلويث الأيدى"، وعلى سبيل المثال فإن التركيز على الشباب عن طريق المخدرات وإدخالهم فى عالم الإدمان، خاصة الأنواع التى تعتمد فى تركيباتها على دفع الشخص إلى الهلاك، من خلال إحداث نوع من التلف العقلى أو التى تدفعه إلى الانتحار، فهذا من المؤكد نوع من أنواع "القتل العمد" أو القتل الأبيض الذى لم يستخدم أداة معروفة قانوناً للقتل.
كما أن "وئد النفس" يعتبر من أنواع "القتل الأبيض"، لأنه يدفع إلى قتل مادى، ويمكن وصفه بأكثر من صورة، فعل سبيل المثال فإن استهداف شخص محدد بشائعات تدفعه إلى درجة من الإحباط تنتهى به للانتحار، أو خلق شخصية غير قادرة على تحمل الضغوط والوصول بها إلى حالة من الإحباط واليأس أو الفقر المدقع، كلها من الأساليب التى تستخدم للدفع بالأشخاص فى أغلب الأحيان إلى درجة الانتحار.
هل هناك تطور فى أسلوب الجريمة الآن.. وما هى أسباب تطورها؟
عالم الجريمة اتجه لأشكال عنف غير مسبوقه "زمان كان القاتل يقتل ويجرى.. أما الآن يقتل ويقطع وينكل ويتباهى ويصور فيديو كمان"، وأصبح هناك فجاجة فى الجريمة ومبالغة فى العنف، والسبب للأسف بعض الدراما غير المسئولة، والتى أسهمت فى تحقيق واكتمال مفهوم الجريمة الكاملة وفن كيفية "القتل الأبيض" على أرض الواقع ومنحت صورة نموذجية مجسدة ومطورة للعنف الحديث، ومنها فيلم "الألمانى"، وكارثة أخرى جسدها مشهد بإحدى مسلسلات رمضان، يصور "زوجة وضعت زوجها فى البانيو علشان يدوب ويتحلل"، وأتوقع فى خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، ستشهد مصر جرائم واقعية مماثلة لهذا المشهد الفج، لأنك قدمت صورة نموذجية للجريمة المتكاملة وأداة القتل لزوجة غاضبة من زوجها، أو أخرى "تخون" وتتمنى الخلاص، أو زوجة تتعرض للعنف من الزوج وتسعى للانتقام منه.
فى رأيك كيف ساعدت الدراما فى تطور الجريمة؟
الدراما المصرية
مرتكب الجريمة العادى دائما فى الغالب يكون متوتر، ويقع تحت ضغط يجعله لا يتمكن من التفكير بصورة متكاملة، أما كاتب السيناريو فيضعه بـ"أريحية شديدة" تمكنه من وضع صورة نموذجية كاملة لتنفيذ الجريمة بكامل مؤثراتها، من تشويق وإثارة وإضاءة وموسيقى تصويرية، وكلها محفزات للمواطن المقبل على تنفيذ جريمة بعينها.
برأيك ما هى وسائل حماية الأبناء من الوقوع فريسة فى عالم الجريمة؟
أن نربى فى أبنائنا اليقظة الذهنية وكيفية اكتشاف الطيب من الخبيث، والثقة فى النفس والقدرة على اتخاذ القرار، والاستماع والإنصات الجيد لهم وفتح حوارات معهم، بعدها "أرميه بين الشمامين أو فى النار من غير متخاف عليه"، لكن إذا صنعنا شخصية لأبنائنا هشة ضعيفة وتخضع لأى ضغط يمارس عليه وغير قادرة على اتخاذ القرار، سيكون من السهل التأثير عليهم، كما أنه علينا أن نلتزم بعدم الإفراط معهم فى العطاء "اللى بيجى سهل رايح سهل"، فالتربية فن، ويجب أن "نصوبهم" بالحب والعاطفة والمناقشة والتوعية، واستغلال التكنولوجيا المدفوعة إلينا لإفساد أبنائنا وجعلها وسيلة لتطويرهم فى صالحهم.
فى رأيك هل يمكن استخدام المخدرات كوسيلة للقتل.. وكيف؟
استروكس
المخدرات شكل هام من أشكال التجارة العالمية، ولم يكن الغرض منها توجيهها لشعوب بعينها، كما أن المقصد العام منها كان "اقتصادي بحت" كأحد أهم أشكال المكسب السريع، لكن في حقيقة الأمر، انعكاسها على الأفراد هو "القتل"، فقديما كانت المخدرات تستهدف أى شخص، ولم تكن تستهدف القتل على الرغم من أنه نتيجة حتمية يصل لها الشخص المدمن فى النهاية.
هل ترى أن المواد المخدرة الجديدة التى بدأت تنتشر مؤخرا بين الشباب مثل "الاستروكس" تعتبر إحدى أدوات القتل الأبيض؟
بالطبع المواد المخدرة الجديدة التى ظهرت خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهى بالمناسبة مواد كيميائية تخليقية، هى عقار وأداة للقتل "العمد"، ومن المطلوب والملزم أن تخضع لتطبيق عقوبتان، أولهما جريمة الاتجار بمواد مخدرة، والثانية الاتجار فى "سلاح" يؤدى إلى الموت، وبالتالى فإن تغليظ عقوبة الاتجار والترويج لمادة "الاستروكس" للاعدام كانت ضرورة حتميه، وإخضاعه كأداة تؤدى إلى القتل، لاسيما أن الأداة التى دائما يستخدمها القاتل تكون فى الغالب لقتل شخص محدد كما هو متعارف عليه، أما "الاستروكس" هو أداة لقتل آلاف الشباب بدون تمييز.
ما هى خطورة عقار "الاستروكس".. وما تأثيره على الإنسان العادى؟
متعاطي استروكس
الأستروكس يسبب مجموعة من الهلاوس السمعية والبصرية، ما يعنى أن الشخص المتعاطى لهذا العقار يصاب بتهيوءات ويسمع أصواتاً تدفعه للانتحار دون أن يدرى ودون إرادة، كأن يتخيل متعاطى "الاستروكس" على سبيل المثال، أنه متجه إلى سطح مبنى لركوب طائرة، وهو ما يعرف بـ "هلاوس الطيران"، أو أنه يقفز من مكان عالي، أو يتخيل أن هناك امرأة ترغب فى "معانقته" فيدفع بنفسه من البالكونه، إلى جانب أن متعاطى "الاستروكس" يصاب بـ"الفصام"، فيصبح منفصلاً تماماً عن الواقع من خلال أفكار "ضلالية" تدفع به إلى الانتحار.
فى رأيك هل هناك تأثيرات خطيرة للمخدرات.. وما هى؟
نهاية المخدرات
بالتأكيد هناك تأثيرات خطيرة تحدث للأشخاص المتعاطين، فالمخدرات حديثاً لها أعراض طويلة وقصيرة المدى، وكلاهما يؤدى فى النهاية إلى الانتحار نتيجة للإصابة بالهوس الاكتئابى، كما أن المخدرات وعلى رأسها "الاستروكس" سبب رئيسى فى وقوع حوادث الطرق البشعة التى أصبحنا نراها بشكل يومى بسبب الاختلال التام فى الحواس، والذى يؤدى إلى عدم السيطرة أثناء القيادة، والإحصائيات الأخيرة رصدت أن مصر احتلت أعلى معدلات العالم فى حوادث الطرق، ولذلك أناشد الحكومة المصرية والإدارة العامة للمرور بإجراء تحليل مخدرات على الطرق السريعة، وأرى أن الكمائن غير كافية، مع تكثيف عمليات التحليل بالطرق الطويلة والقصيرة.
ما السبب وراء انتشار الاستروكس بين الشباب مؤخرا؟
الفئة العمرية المستهدفة لتجار المخدرات انخفضت وتراجعت، حيث كانت الفئة المستهدفة فى الماضى، من "المعَلمين والتجار الكبار" إلى جانب أن هروب تجار المخدرات من المكافحة الأمنية، دفعهم إلى اللجوء لأنواع سهلة وسريعة التداول، ونتيجة لاختلاف الذوق العام للناس، فقد كانوا المتعاطين قديما يقيمون جلسات "بسيجارة حشيش وكوب شاى على أنغام أم كلثوم حتى مطلع الفجر ويطولوك يا ليل"، أما الأن سادت ثقافة "التيك أواى"، تمثل فى الأنواع السريعة من المخدرات، ومنها "الاستروكس، والطوابع، والبيسة، والجنشة"، وباتت الفئة المستهدفة هم الشباب، الذين لجئوا لاستحداث أساليب سريعة وحديث للتعاطى، سواء فى الجامعة أو السيارات أو حتى نواصى الشوارع والطرقات.
هل هناك دراسات تشير إلى نسبة متعاطى المخدرات فى مصر.. وكيف نحمى أبناءنا منها؟
طبقا لدراسة علمية أجريت تحت إشراف وزارة الصحة، كشفت عن أن نسبة استخدام المخدرات فى مصر بلغت نحو 20.6%، ما يعنى أكثر من 20% من الشعب المصرى يستخدم المخدرات، ووفقاً لإحصائية رسمية صدرت فى نتصف عام 2017، أكدت أن حوالى 20 مليون شخص فى مصر يتعاطى مخدرات ما يعنى أن نسبة 10.5% من إجمالى المصريين متعاطى أو مستخدم للمخدرات.
وأتوقع مستقبلا أن نسبة المستخدمين أو المتعاطين للمخدرات فى مصر ستتضاعف خلال 4 سنوات، وستصل النسبة إلى40%، وذلك لعدد من الأسباب، يأتى على رأسها "هبوط" سن أو عمر المنحرفين، كما أن ترك الأسرة ورفع يدها عن متابعة أبنائها وتربيتهم وتركهم فريسة لـ "ألعاب الفيديو، والسيبر، والنت" فالتكنولوجيا الحديثة حطمت الحواجز والأسوار الحديدية من حول أبنائنا، إلى جانب تركهم للأصدقاء السوء وتجمعات الشباب التى أصبحت متنامية الأطراف، حيث أصبح من الصعب متابعة الأصدقاء "المختفيين، وغير المرئيين، والمستترين" عبر مواقع التواصل، وأنبه إلى أن الحذر والخوف منهم أكثر من أصدقاء السوء المرئيين للأسرة.
برأيك هل هناك ما يعرف بالمخدرات الرقمية.. وما هى وكيف يمكن الكشف عنها؟
مخدرات رقمية
العقل البشرى يعمل بـ 124 عملية عقلية، وكل عملية مسئولة عن وظيفة معينة بالجسم، منها جزء أو عملية تختص بإفراز المخدرات، ولذلك كانت أمريكا منذ 30 عاماً لا تتبع طريقة الحقن أو العقاقير المخدرة أو المهدئة لعلاج مريض "الانهيار العصبى"، ولكن لجأت باستحداث وسيلة جديدة عن طريق ارتداء المريض لسماعات "الأذن" والاستماع من خلالها لمقطوعات موسيقية معينة، والتى تحفز الجزء المسئول فى العقل لإفراز المخدرات للوصول بالمريض إلى حالة هدؤ واسترخاء.
مع تطور العصر، انتشرت "المخدرات الرقمية" على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وأنهت على احتياج المتعاطى للخروج من المنزل لشراء المخدرات، واكتفى الشخص بوضع سماعات الأذن، والاستماع لهذه النوعية من الموسيقى، وللأسف الشديد فأن هذا النوع من الموسيقى من الصعب الإقلاع عنه، وفى حالة العلاج سيتعرض الشخص المريض لنفس أعراض انسحاب المخدرات، كما أن إذا أجرى تحليل مخدرات لهؤلاء الأشخاص سواء كان طفلاً أو شاباً أو فتاةً يستمع لهذه الموسيقى، ستظهر فإن نتيجة التحليل ستؤكد أنه "يتعاطى مخدرات".
وفى رأيى، فإن الاعتماد على وسائل الكشف عن المخدرات على الطرق السريعة، باتت تقليدية، فلا زال هناك اعتماد على تفتيش "دواسات السيارة، والتابلوه، والمحفظة، والشخص ذاته"، والتى لا تجدى نفعا، حيث أن الشخص قائد السيارة قد يكون واضع "سماعة البلوتوث" فى أذنه وبيستمع للموسيقى الرقمية و"بيخدر وأنت مش واخد بالك.. على الرغم من احمرار عينه واستجابته البطيئة فى سرعة رد الفعل.. دون العثور على أى عقار مخدر مع المتعاطى قائد السيارة".
وهنا يجب أن ندق جرس إنذار، لمتابعة أبنائنا وعدم اللامبالاة فى تركهم لأنفسهم يستمعون للموسيقى بدون رقابة أو متابعة "بيسمع أيه بيعمل أيه بسماعات الموبايل"، فالمخدرات الرقمية لا تحقق مكاسب مادية، لكنها قاتلة "لأنه بيصدر ليك حاجة تقتلك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة