يراهن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الحفاظ على الأغلبية الجمهورية خلال انتخابات التجديد النصفى، والمقررة يوم 6 نوفمبر الجارى، وذلك على اعتبار أن الانتصار الانتخابى يمثل فارقة مهمة فى التاريخ الأمريكى باعتباره، فى حالة تحقيق هدفه، سيكون الرئيس الأول منذ عقود الذى يتمكن من الحفاظ على سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية فى آن واحد، خلال مدته الرئاسية بالكامل، إلا أن أهداف ترامب وراء مسعاه الحالى تتجاوز التاريخ، حيث أنه يحاول مواصلة الطريق الذى اتخذه تجاه العديد من القضايا، سواء الدولية أو المتعلقة بالداخل الأمريكى، دون عوائق ربما يضعها أمامه خصومه الديمقراطيين حال فوزهم فى الانتخابات القادمة.
ولعل الإعلام الأمريكى كان أحد القضايا التى شغلت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب طيلة الأيام التى قضاها بالبيت الأبيض، ربما بسبب الحملات التى شنتها عليه الصحف والقنوات منذ ما قبل انتخابه، حيث قاموا بدور بارز فى دعم غريمته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أنهم واصلوا مسيرتهم المناهضة له بعد وصوله إلى البيت الأبيض، عبر تشويه صورته سواء شخصيا أو سياسيا، من خلال التركيز على نشر الفضائح المرتبطة به تارة، أو التقليل من شأن توجهاته وقراراته السياسية والدبلوماسية سواء فى الداخل، أو فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية مع العالم الخارجى، خاصة مع الحلفاء.
ترامب
دعوة أم تحذير.. هل يحمل ترامب خططا لتحقيق الانضباط الإعلامى؟
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكى لم يضع ما يمكننا تسميته بقضية "الانضباط الإعلامى" فى أجندة خطاباته التى أدلى بها لدعم المرشحين الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس المقبلة، فى كافة الولايات الأمريكية، إلا أن حادث الهجوم على المعبد اليهودى فى بنسلفانيا، وما تلاها من هجوم إعلامى سافر على الرئيس الأمريكى باتهامه مباشرة بمسئوليته عن الحادث بسبب ما أسمته المعارضة الديمقراطية، وأذرعها الإعلامية بسبب انتقاداته اللاذعة لخصومه السياسيين، ربما دفعه للرد باتهام الإعلام بنشر أخبار كاذبة ساهمت بصورة كبيرة فى تفشى الكراهية داخل المجتمع الأمريكى، وبالتالى تكرار الحوادث ربما غير المسبوقة فى التاريخ الأمريكى، على غرار الطرود المفخخة أو حادثة المعبد اليهودى.
ففى تغريدة له تعليقا على الهجوم على المعبد اليهودى، قال الرئيس ترامب إن "السبب الرئيسى وراء حالة الغضب الذى نراه فى مجتمعنا هو التقارير المغرضة وغير الدقيقة التى تنشرها وسائل الإعلام الرئيسية، والتى أشير إليها دائما بالأخبار المزيفة.. لقد أصبح الأمر سيئا وبغيضا لدرجة لا يمكن وصفها.. على وسائل الإعلام الرئيسية ضبط نفسها بسرعة."
التغريدة التى أطلقها ترامب ربما تحمل اتهاما للإعلام بالمسؤولية عن الأحداث الأخيرة التى شهدها المجتمع الأمريكى، إلا أنها فى الوقت نفسه تحمل دعوة صريحة لـ"الانضباط سريعا"، بالإضافة إلى تحذير ضمنى، ليثور التساؤل حول ما إذا كانت هناك خططا لدى الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق الانضباط المرجو، إذا لم تتحول وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية نحو هذا الهدف من تلقاء نفسها فى الوقت الراهن.
هيلارى كلينتون
تغطية منحازة.. احتمال ترشح كلينتون يثير مخاوف ترامب
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يضع مسألة "الانضباط الإعلامى" كأولوية غير معلنة فى أجندته خلال المرحلة المقبلة، أو تحديدا بعد انتخابات التجديد النصفى المقررة خلال أيام، خاصة وأن المعركة التى شهدتها الساحة الأمريكية بين الرئيس والإعلام كانت طاحنة منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية، وهو ما بدا واضحا فى التقارير الأمريكية التى طالته من جانب، والتغريدات الساخرة التى يطلقها الرئيس الأمريكى، والذى يصف بها ما تنشره الصحف والقنوات الإعلامية بالكذب وتشويه الحقائق من جانب آخر.
ويمثل إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون عن احتمالات ترشحها للمنافسة من جديد على منصب الرئيس محلا لقلق ترامب، خاصة وأن التجربة السابقة فى التغطية الإعلامية للانتخابات السابقة لم تكن جيدة بالنسبة للرئيس الأمريكى، رغم انتصاره فى النهاية، حيث تبنت الغالبية العظمى من الصحف والمنابر الإعلامية موقفا غير موضوعى تجاه المرشح الجمهورى، بينما كان الانحياز هو السمة الأبرز فى تغطية الانتخابات، وهو ما بدا واضحا سواء فى التقارير أو حتى استطلاعات الرأى التى صبت فى معظمها لصالح المرشحة الديمقراطية.
هيمنة النشطاء.. إعلام "السبوبة" يحتاج إلى إعادة هيكلة
ولعل هيمنة النشطاء سواء من الولايات المتحدة، أو من الدول الأخرى، والذين يحصلون على تمويلات هائلة من قبل الكثير من الجهات لتحقيق أهداف مناهضة للاستقرار فى مختلف دول العالم، على مقالات الرأى والتقارير الإعلامية التى تنشرها الصحف الأمريكية فى السنوات الماضية يمثل سببا رئيسيا فى زيادة مخاوف الإدارة الحالية، خاصة وأن الأراء الموجهة البعيدة عن الموضوعية غالبا ما تثير ضجة كبيرة فى الداخل الأمريكى، حيث أنها دائما ما تحاول عرقلة نشاطات الإدارة الحالية، وتشويه ما تحققه من إنجازات على الصعيد الاقتصادى، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى انحسار شعبية الرئيس الأمريكى بين الحين والأخر.
ولم يقتصر تأثير الدعايا المناهضة لترامب والتى يتبناها الإعلام الأمريكى على مستوى الداخل وإنما تمتد تداعياته بصورة كبيرة على السياسات الخارجية التى تتبناها الولايات المتحدة تجاه العديد من مناطق العالم، فى ظل الخطط الأمريكية الهادفة إلى إعادة هيكلة التحالفات الأمريكية من أجل تحقيق المصالح الأمريكية، وهى الخطط التى دائما ما تثير امتعاض دعاة الفوضى، سواء من الحزب الديمقراطى أو النشطاء الموالين لهم، والذين لعبوا دورا بارزا فى نشر الفوضى فى العديد من دول العالم، كما حاولوا من قبل تكرار السيناريو البائس فى الداخل الأمريكى مع الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكى بانتخابات الرئاسة فى 2016.
وبالتالى فإن الاعتماد على من يمكننا تسميتهم "نشطاء السبوبة" يمثل أولوية أخرى فى إطار رغبة الرئيس الأمريكى غير المعلنة فى إعادة تشكيل التوجهات الإعلامية، بحيث يمكن استخدامها كوسيلة دبلوماسية يمكن من خلالها تحقيق الأهداف الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالقضايا الدولية فى المرحلة المقبلة.