سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 نوفمبر 1876..الخديوى إسماعيل يقتل شقيقه فى الرضاعة ووزير ماليته إسماعيل المفتش ويلقى جثته فى النيل

السبت، 10 نوفمبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 نوفمبر 1876..الخديوى إسماعيل يقتل شقيقه فى الرضاعة ووزير ماليته إسماعيل المفتش ويلقى جثته فى النيل الخديو إسماعيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال الخديو إسماعيل لأبنائه «توفيق، حسن، حسين»: «سأقوم بالأمر بنفسى.. أريد منكم أن تأمروا محافظ العاصمة بتجهيز مركب بخارية غدا فى النيل عند مرسى سراى الجزيرة، وتخطروا أعضاء المجلس الخاص بالاجتماع الساعة الحادية عشرة صباحا».. كان الكلام بخصوص طريقة التخلص من وزير ماليته «إسماعيل صديق» الشهير بلقب «المفتش»، حسبما يكشف «إلياس الأيوبى» فى مجلده الثانى «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل». 
 
تختلف الآراء حول مكانة «صديق» التاريخية، فالدكتور جمال عبدالرحيم فى كتابه «إسماعيل صديق المفتش، رجل الأزمات ضحية الوشاية» يراه: «من الشخصيات الوطنية البارزة التى لعبت دورا مؤثرا فى تاريخ مصر فى تلك الفترة، حتى أطلق عليه اصطلاحا لقب الخديوى الصغير».. أما عبدالرحمن الرافعى فيراه فى كتابه «عصر إسماعيل»: «أثرى ثراء فاحشا، وقلد مولاه فى عيشة البذخ والإسراف والاستكثار من القصور والأملاك والجوارى والحظايا، وإليه يرجع السبب فى استدانة الحكومة نحو ثمانين مليونا جنيه»، ويصفه «نوبار باشا» مستشار الخديو إسماعيل فى مذكراته: «كان ذكيا، رفيع المستوى خصوصا، لكن اختلط عليه الجيد والردىء، وكل شىء كان بالنسبة له مثل الطفل الذى يندهش عندما يرى العصفور الذى يعذبه يرتجف بين يديه، واكتشفت كذلك بأنه سيندهش إذا اشتكى شخص، لأنه قتل العصفور وقام بانتزاع ريشه».
 
ولد فى أسيوط عام 1830 أى فى نفس عام مولد الخديو إسماعيل، وفقا لجمال عبدالرحيم، مؤكدا أنه كان شقيق الخديو فى الرضاعة، وأصبح فى عهده «مفتش عموم مصر» ثم «ناظر المالية».. وانتهت حياته فى 10 نوفمبر «مثل هذا اليوم 1876» بدراما هائلة، فحين بلغت الأزمة المالية ذروتها بسبب الديون، قررت إنجلترا وفرنسا فرض رقابة ثنائية على مصر، ويؤكد «عبدالرحيم» أن رأى «المفتش» كان يختلف عن رأى «الخديوى» المستسلم لهذا المطلب، وزاد كراهية أبناء الخديوى له فاجتمعوا مع والدهم للتخلص منه.
 
تتعدد الروايات حول التخلص منه، وينقلها «نوبار» حسب ما سمعه، حيث كان فى الخارج وقتئذ، ويذكر أن المفتش تقدم باستقالته كناظر للمالية حسب طلب الخديوى، وتم كتابة نص الاستقالة فى القصر وتضمنت جملا تهاجم الخديو، وجرى استغلال نوبات السكر التى اعتاد المفتش الانغماس فيها لتوقيعه عليها، وبحصول الخديوى على الاستقالة ذهب صباح اليوم التالى بعربته إلى منزل المفتش ودعاه، لأن يصطحبه فى نزهة إلى الجزيرة.
 
وطبقا لرواية ثانية سمعها «نوبار» من شاهد على الحدث، فإن كل الباشوات اجتمعوا فى قاعة الانتظار بسراى عابدين، وكان المفتش حاضرا أيضا، والجميع يعرفون أمر الاستقالة، ودعاهم الخديوى للصعود ماعدا «المفتش» الذى بقى وحيدا فى صالون الانتظار، ونزل الخديوى وتبعه الجميع ثم نادى للمفتش: «تعالى إن والدة حسن مريضة، إننى ذاهب لرؤيتها»، وعند وصولهما إلى الجزيرة ترك المفتش فى الصالون أثناء دخوله إلى الحريم، ودعا ابنه حسن وقال له: «لقد عينتك وزيرا للجهادية، وشقيقك حسين وزيرا للمالية، إن المفتش موجود فى بهو الانتظار ومجموعة من الجنود مستعدون فى الخارج، اصطحبه إلى الزورق التابع للسفينة البخارية الراسية عند المراسى».. نزل حسن لينفذ الأوامر، وأعطى أوامره للمفتش أن يتبعه، ففهم المفتش ما يدور فى خلد الوالى، فبكى ونادى عليه طالبا العفو، وهو يحاول التخلص من بين أيدى الجنود الذين اصطحبوه إلى المركب».
 
عاد الخديوى إلى سراى عابدين ودعا المجلس الخاص للانعقاد برئاسة ابنه توفيق الذى أعلن الاستقالة المسببة للمفتش، وطالب بالقبض عليه ونفيه إلى السودان، وقدم «الخديوى» مستندات مرسلة إلى بعض مشايخ الأقاليم تحمل توقيع وختم المفتش، يحرضهم فيها ضد الوالى والمسيحيين، واقترح تصويت المجلس على نفيه إلى السودان، الأمر الذى تم بالطبع، ويؤكد نوبار، أن الخديوى استعجل أحد ضباطه ويدعى إسحاق بك للذهاب إلى «المفتش»، واستلام الخاتم الخاص به منه، فعاد دون الختم ولكن بجرح غائر فى إصبعه.
 
وينقل «إلياس الأيوبى» رواية «إسحاق»: «بعد إلقاء القبض على المفتش بساعة، استدعيت إلى الحجرة المحبوس فيها، فوجدت الأمير حسن واقفا عند الباب، والمفتش مجردا من ملابسه فى أحد أركانها، فأومأ الأمير إلى بيده، فدنوت منه، وسلمت السلام العسكرى، فهمس فى أذنى أمرا قاضيا باستعدادى لنقل المفتش فى الليل إلى الباخرة التى أعدت للسفر إلى دنقلا، إلا إذا مات قبل ذلك، فأدركت من قوله: «إلا إذا مات» أن موته مرغوب فيه، فسرت حينئذ إلى المفتش وألقيته على ظهره، وكممت فمه بيدى اليسرى، وأقبلت أسحق خصيته بيدى اليمنى، فقاومنى مقاومة عنيفة، بالرغم من أنه كان نحيف البنية، ولما اشتد عليه الألم، وأخذت روحه تتقعقع فى صدره، بلغت مقاومته أشدها، وخيل إلى أنه أوتى قوة تضارع قوتى، فتمكن من القبض على إبهام يدى اليسرى بين أسنانه والعض عليه عضة قطعته، ولكن كانت تلك حركته الأخيرة، وبالرغم من شدة الوجع فى يدى شددت عليه شدة أخمدت معها أنفاسه، فسقط تحتى جامدا، ودقت رأسه بالأرض، ولما جن الليل لفت جثته فى قماش ونقلت إلى ظهر الباخرة فسارت بها نحو الجنوب حتى إذا جاوزت الروضة طرحت الجثة فى النيل».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة