أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

المرأة وتولى المناصب العليا

الإثنين، 12 نوفمبر 2018 07:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المسائل التى اهتم بها الفقهاء قديمًا وحديثًا مسألة تولى المرأة بعض المناصب العليا، خاصة القضاء ورئاسة الدولة؛ حيث منع بعض الفقهاء تولى المرأة أيًّا منهما، فى حين أجازهما لها بعض الفقهاء، وهناك مَن أجاز لها تولى القضاء بشكل جزئى كالأمور المالية مثلًا ومنعوها القضاء فى الحدود والجنايات؛ حيث لا تُقبل شهادتها فيها عند كثير من الفقهاء. ومجمل ما ورد عن الفقهاء فى تولى المرأة القضاء ورئاسة الدولة أن جمهور الفقهاء يمنعونها من تولى القضاء، والتوجه فى المذهب الحنفى هو توليها القضاء فى القضايا المدنية، ويجيز الظاهرية توليها القضاء بجميع أنواعه ودرجاته، أما فى توليها رئاسة الدولة فيقل الخلاف؛ حيث يمنعها الفقهاء بما يشبه الإجماع من تولى رئاسة الدولة، إلا ما ورد عن بعض الخوارج الذين لا يعتد بخلافهم لما عليه أهل السنة والجماعة.
 
واستدل مانعو المرأة من تولى القضاء بشكل كلى أو جزئى بأن النصوص الواردة فى الشهادة على الحدود جاءت بلفظ التذكير، كقول الله تعالى: «وَاللَّاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا»، فى حين صرحت النصوص بقبول شهادتها فى الأموال؛ حيث يقول الله تعالى فى آية الدَّين: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ»، فربط بعض الفقهاء بين قبول شهادة المرأة وتوليها القضاء؛ فما تُقبل فيه شهادتها تقضى فيه، وما لا تُقبل شهادتها فيه لا تقضى فيه. وهناك فريق من الفقهاء لم يأخذ بهذا التفسير؛ فلم يمنع المرأة من الشهادة فى أمر من الأمور، فكل أمر يشهد فيه الرجال تشهد فيه النساء، غاية الأمر أن عدد الشاهدات يضاعف، فيثبت الزنى بشهادة ثمانى نساء على القاعدة الواردة فى الشهادة على الدَّين، ومن ثم فلا مانع عندهم من توليها القضاء فى الحدود والجنايات أيضًا. أما فى ما يتعلق بتولى المرأة الولاية العامة «رئاسة الدولة»، فيضاف نص خاص إلى ما ورد فى تعليل القائلين بمنعها من القضاء كليًّا أو جزئيًّا، وهو قول النبى - صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم - وفى رواية مَلَكَتْهم - امرأة».
 
والمدقق فى الأدلة الواردة عن المانعين أو المجيزين لتولى المرأة القضاء أو رئاسة الدولة على الإطلاق، أو المجيزين توليها القضاء المدنى دون الجنايات والحدود؛ يجد أن جميعها لا يخلو من الاحتمال، وليس من بينها دليل قاطع يمنع المرأة من تولى القضاء ورئاسة الدولة؛ فمثلًا الأدلة الواردة بلفظ التذكير فى القرآن الكريم لا يعاب على مَن يرى أنها جاءت على التغليب، وأن الخطاب إن ورد مذكرًا دخلت فيه النساء بالتبعية، فقول الله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» خطاب مذكر، ولا خلاف على دخول النساء فيه، ومثله قوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»، وغير ذلك كثيرا. أما الخطاب المؤنث، فحيث ورد فإنه لا يشمل الرجال.
 
وكون الحديث السابق من أقوى الأدلة صراحة فى الموضوع، وهو حديث صحيح رواه الإمام البخارى، لا ينفى عنه الاحتمال أيضًا، فقد قاله رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بعد أن سمع بتوليه بنت كسرى الملك، وهو إخبار عن واقعة حال لا يوجد ما يقطع بأنها عامة، بل خاصة، وعندئذ يكون المقصود الفُرس ولا يشمل النص غيرهم من الأمم والشعوب. ويؤيد ذلك أن فى سنة النبى - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا من الأحاديث التى ظاهر ألفاظها العموم والمقصود بها معلوم، ومنها قوله: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشىء أفعله! فوالله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»، فقد كان يقصد بهم بعض الناس الذين تحرجوا عن بعض أمور كان يفعلها النبى، ومنها قوله: «ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست فى كتاب الله!»، فقد كان يقصد بهم مَن باعوا الجارية بريرة لأم المؤمنين عائشة، واشترطوا إن أعتقتها يكون ولاؤها لهم، ومن ذلك قوله: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكنى أصلى وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى»، فقد كان يقصد أشخاصًا معروفين وقفوا على بابه ودار بينهم الحوار المعروف فى التشديد على أنفسهم بترك متاع الدنيا، ومن ذلك أيضًا موقفه مع الصحابى الذى استعمله على الصدقات، فأراد أخذ الهدايا التى أُهديت إليه إضافة إلى أموال الزكاة، فقال النبى: «ما بال العامل نبعثه فيقول هذا لك، وهذا لى! فهلَّا جلس فى بيت أبيه وأمه، فينظرَ أيُهْدَى له أم لا؟!».
 
صحيح أن هذه الأحاديث التى ذكرتها أحكامها عامة؛ لأنها تقرر أحكامًا ثبت بالشرع أنها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فالعموم هنا لم يُستفد من اللفظ وحده، وإنما بتيقن ملاءمته لغير المقصودين كذلك؛ إلا أن حديث بنت كسرى «لن يفلح قوم...» يمكن أن يشكك فى عمومه؛ حيث إنه من المعلوم أن قيادة الدولة لا يصلح لها كل الناس، بل ليس كل الرجال يمكنهم قيادة الدولة، فإذا ثبت هذا فى حق الرجال فثبوته فى حق النساء أولى. ومن ثم، فإنه إذا كانت بنت كسرى لا تصلح لقيادة الدولة، فلا يعنى هذا بالضرورة أن جميع النساء كذلك.
 
وعليه، فإن الأدلة التى استدل بها المانعون والمجيزون على السواء تبقى دلالتها ظنية وليست قطعية، فلا يمكن القول إنها منعت تولى المرأة القيادة العامة على سبيل اليقين، ولا أجازت لها ذلك على سبيل الجزم، ولذا فإن الدلالة الأقوى تكون من طريق الواقع العملى، والواقع العملى يشهد لصالح المرأة؛ فقد تولت المرأة بالفعل القضاء ورئاسة الدولة فى عصور مختلفة، بل تقلدت المرأة تلك المناصب فى بعض المجتمعات فى وقتنا الحاضر، ومن الإجحاف القول بأنها فشلت فى القيام بأعبائهما، بل من القاضيات مَن نافست أشقاءها الرجال فكانت مثلهم، ومن النساء مَن اشتهرن فى مجال قيادة الدولة شهرة فاقت بكثير ما حققه الرجال، وهو ما ينبغى أن يحسم الخلاف فى المسألة، فإذا استطاعت المرأة أن تحقق فى نفسها شروط القضاء أو رئاسة الدولة، فيكون منعها عندئذ خطابًا ذكوريًّا لا ينبغى أن نلصقه بنصوص الشرع، فالنصوص لا تحتمل ذلك عند تدقيق النظر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة