وائل السمرى

ضريبة الرضا

الإثنين، 12 نوفمبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أرى فى هذه الحياة شيئا أهم من الرضا، شيئا أثمن منه، شيئا أعظم منه، كل هذه الحياة لا تساوى لحظة من السخط على النفس أو احتقارها، كل هذه الحياة لا تساوى عند كل ذى عقل أكثر مما تساويه ابتسامة اطمئنان، لكن هذا الرضا لم يكن أبدا مجانيا ولم يكن أبدا سهلا، هذا الرضا يتطلب جهدا وعملا، يتطلب مجاهدة ربما تكون أكبر مما يتطلبه النهم.
 
أنت تنام فاتحا ذراعيك وفجأة يقفز ابنك عليك ويقرر أن ينام متوسدا ذراعك، ينام الابن قرير العين، فلا تريد أن تزعجه بسحب الذراع من تحت رأسه، يؤلمك ذراعك، لكنك تقرر أن تستمتع بهذا الألم لأنك تريد أن ترضى عن ذاتك كأب، تريد أن تستمتع بأنفاس ابنك الساخنة، بسلامه وأمنه وراحته.
 
تمرض أمك فلا تستطيع حراكا، تحملها كما حملتك، تشقى معها، تذهب معها إلى الأطباء وتتعب فى البحث عن متخصصى الأشعة والتحاليل، تحملها، تصعد بها السلم، تفلس، تستدين، تفعل المستحيل من أجل نظرة حنان مفتقدة، من أجل راحة تطفو على وجه من حملتك وأرضعتك ورعتك.
 
أنت تحب أبناءك، تجلس معهم تسافر بصحبتهم، تحب عائلتك، تبر أخوتك، ترعى أعمامك، تجامل جيرانك، تبارك فى الأفراح، وتقدم العزاء فى المآتم، تساعد الناس، لكن فى الوقت الذى تجلس فيه مع أولادك هناك من يتناحرون من أجل «مصلحة أو سبوبة»، وفى الوقت الذى تسافر فيه مع أبنائك هناك من يعقد صفقة يربح منها الكثير، وفى الوقت الذى تبر فيه أخوتك هناك من يوفر تكاليف البر لنفسه أو أسرته، وفى الوقت الذى ترعى فيه أعمامك وتجامل جيرانك، هناك من يستغل هذه العلاقات فى مصلحة شخصية، وفى الوقت الذى تساعد فيه الناس هناك من يبتزهم، وهناك أيضا أناس لا يستحقون هذه المساعدة التى بذلتها من أجلهم، افعل هذا أو افعل هذا، الاختيارات مفتوحة، والحياة تحتمل الكثير من المتناقضات، ولا شىء بالمجان، الرضا لا يمر بغير ضريبة، والنهم واضح التكاليف والأعباء، وعليك أن تقرر إما أن تبنى بيتا من رضا، أو قصرا من نهم، فاعقد العزم واستعد للتسديد.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة