- يقدم نفسه حارس علم الحديث القائم على المنهج والتدقيق ولكنه يلقى فى عقول الناس روايات مكذوبة دون سند أو مصدر لتسخين خطبته وخدمة أهدافه
- قبل «25 يناير» كان يعلم تلاميذه أن التظاهر حرام ثم كان أول المهرولين للتحريض على المليونيات ودعم المرشحين الإسلاميين.. وأقوى من أفتى بحرمانية الاختلاط فى المدارس وأول من صمت على الاختلاط فى اعتصامى رابعة والنهضة
- أبوإسحاق الحوينى أخبر تلاميذه قبل زمن الثورتين أن ارتداء الداعية ثوب السياسة يقضى عليه ثم خالف نفسه وكان أول المحروقين بنار السياسة.. هاجم كل صاحب رأى مختلف مع الشيوخ وقال إن لحومهم مسمومة وكان أول الشتامين والمنتقدين للشيوخ المختلفين معه فى الرأى
لا تثق فى عشاق «البرندات»، تصفهم الأبحاث النفسية بأنهم أهل تيه وضعف، وشخصية عطشى للثقة، تعوض كل ذلك بالسير فى طابور موضة يضمن لهم انطباعا أوليًّا لا يمكن اقتناصه بقوة شخصيتهم وحجتهم، هم يسرقون وجودهم بأسماء فخمة وضخمة تعوض ضآلة ثقتهم فى أنفسهم.
فخامة الاسم لا تكفى أصحاب العقول، ولكنها تكفى الباحثين عن طمأنينة حياة القطيع، والمهووسين بالسير فى ركاب مرشد يهشهم بعصاه إلى اليمين إن أراد لإثبات سطوته ونفوذه، وإلى اليسار إن شاء هواه أو هوى مصلحة من يدور فى فلكهم، ويمكنه إخراسهم بكلمة ليعلن شعبيته وتأثيره، وتحريضهم بكلمة لإخبار أهل الحل والعقد بأنه لابد أن يكون جزءا من أهل تحريك الأمور.
هذا ما فعله شيوخ التيار السلفى بالشباب أو التابعين أو المريدين، سرقوا عقولهم وجعلوا مبتغاهم البحث عن «براند» سلفى يسوقهم دون أن يمنح لهم فرصة للتفكير، وصناعة «البراند» السلفى لعبة لها مقادير محددة، شيخ تنسج من حوله الأساطير بداية من اختيار اسمه واختلاق قصص عن رحلته فى نهل العلم والتى تروى على غرار رحلات الأولين، فى زمن باتت مصادر المعرفة فيه معروفة وموثقة لا يصلح معها صيغة ارتحل الشيخ الجليل من القاهرة إلى الأردن وجلس فى درس العلامة فلان فلانى، ثم ارتحل إلى السعودية وأخذ علمه عن الشيخ كذا والعلامة كذا، ثم توضع اللمسات الأخيرة لصناعة «براند» الشيخ السلفى بقصص حول شهادات مضروبة ومختلقة فى معظمها من رجال دين حول العالم يثنون على علمه ويؤكدون أنه خليفة العلامة كذا أو الشيخ الأكبر فلان، مع بعض قصص الإثارة حول صراع السلطة مع الشيخ ومطاردته لمنعه من مواصلة حربه لنصرة الإسلام والحفاظ عليه وكأن الإسلام لن يدوم ولن يحفظ إلا بمجهوده هو فقط.
أبوإسحاق الحوينى.. تدبر فخامة الاسم ورائحته الصحراوية، «براند» سلفى أصيل صنع لكى يخطف أذهان الشباب ويجذب الراغبين فى السير آمنين ضمن قطيع يقودهم شيخ يظن هو أنه صاحب سيطرة عليهم، بينما هم فى الحقيقة أصحاب نفوس ضعيفة يرغبون فى وضع مسؤوليتهم فى رقبة من ينوب عنهم أمام رب العزة يوم الحساب، لذا وصلنا إلى تلك المرحلة التى يعتبر فيها الشباب السلفى أو المريدون أن مرجعيتهم هو شيخهم، بعد أن كانت مرجعية كل مسلم هى الكتاب والسنة، لا يأخذ المريد من شيخه حكما إلا مدعما بدليل شرعى، مضافا إليه اجتهاد الشيخ وشرحه لفهم السلف الصالح للنص الشرعى، تغير كل شىء مع نجوم التيار السلفى الجدد، أصبح الشيوخ أساطير ونجوما يريدون أتباعا لا طلاب علم، ما يقوله الشيخ صواب مطلق، كلمة الشيخ هى الشرع، عقل الشيخ فى قداسة الكتاب والسنة لا يجوز نقده ولا مخالفته، وانتقلنا من مرحلة قال الله ورسوله إلى مرحلة أفتى الشيخ ومن معه.
كان ذلك واضحا فى مرحلة الفوضى التى تبعت تظاهرات 25 يناير 2011، لا يتحرك الشباب السلفى فى مظاهرة إلا بأمر شيوخه، ولا يهتف إلا بهتاف شيوخه، وفى تلك الفترة كان أبوإسحاق الحوينى «براند» سلفيا ناصعا، صنعت أسطورته على مهل عبر سنوات تروج فيها الأكاذيب عن الرجل وعلمه ووراثته لدرع ولواء علم الحديث.
فجأة وبدون مقدمات تحول حجازى محمد يوسف، إلى أبوإسحاق الحوينى، هكذا بدون مقدمات ولا أسباب واضحة، صناع «البراند» السلفى يريدون اسما فخما يذكر الشباب بزمن الصحراء والصحابة، فى مراحل لاحقة قالوا إن الحوينى نسبة إلى قريته حوين فى كفر الشيخ، ومع استكمال الحوينى إلى باقى متطلبات مهمته الجديدة اللحية الكثيفة والجلباب، والانتشار عبر خطب الجمعة فى مساجد القرى وبعيدا عن أعين أهل العلم الحقيقى، وبتصدير فكرة استعادة زمن الإسلام والدفاع عن الدين ضد المؤامرات والراغبين فى هدمه، بدأت انطلاقة الحوينى التى كان لابد من استكمالها بمجموعة قصص تجعل من الحوينى شيخا ذا مكانة مقدسة يحمل لقب محدث العصر وهو اللقب الذى حرص الحوينى وصناعه على كثرة ترديده فى وطن يعلم الجميع فيه أن الإلحاح على كذبة ما يحولها إلى حقيقة.
القصة التى يرويها الحوينى عن نفسه واستخدمها لاختراق ساحة الشهرة والانتشار داخل المجتمعات السلفية هى دراسته وتتلمذه على يد الشيخ الألبانى، وفى ذلك يصفه مريدوه: «كان لقراءته لكتب الألبانى أثر كبير عليه ودافع له للمزيد من القراءة فى علم الحديث ودرس على يد محمد نجيب المطيعى حتى تم اعتقال الأخير ومن ثم خروجه إلى السودان ومنها إلى السعودية. ذهب إلى الأردن وقضى شهرا مع الألبانى ثم ذهب إلى السعودية والتقى بصالح آل الشيخ وابن عثيمين».
وفى شهادته عن نفسه وفى شهادة مريديه عنه، ما يخبرنا أننا أمام رجل تحصل على علمه من جلسات مع شيوخ فى الأردن والسعودية ومصر لا جامعات ولا أزهر ولا منهج علمى ولا سنوات طويلة ظل خلالها فى رعية شيخ اعترف له بالعلم أو التلمذة على يده، ومن تلك النقطة يبدأ تناقض الحوينى وتبدأ أكاذيبه.
هكذا صنعت أسطورة الحوينى، الشاب الباحث عن العلم، الذى يحكى بفخر أنه كان متفوقا فى كليته، ولكنه ترك علم الدنيا ورفض السفر لاستكمال دراسته فى إسبانيا، لأنه لا يرتاح للعيش فى مثل هذه المجتمعات ضاربا بذلك نموذجا لشخص عنصرى ضعيف ويخشى على نفسه فتنة العيش فى دولة أوروبية على عكس تعاليم الدين الإسلامى التى تشجع على تعارف الشعوب والقبائل والسفر إلى آخر الأرض لتحصيل العلم.
روج الحوينى عن نفسه أنه ترحل بين الدول لتحصيل العلم، وقال إنه ذهب لأخذ العلم عن الشيخ الألبانى، ولكن لا شىء مثبت هنا، الروايات الحوينية تقول بأن الشيخ أبوإسحاق هو وريث الألبانى وعاش شهورا طويلة يتلقى العلم على يده، ولكن روايات الواقع المحققة تخبرنا بأن الحوينى جلس مثله مثل غيره من الآلاف فى بعض مجالس الألبانى، وعاد من هناك يروج بين الناس أنه أخذ من الألبانى العلم ولواء وراثة دوره فى علم الحديث لتزداد أسطورة الحوينى كبراند سلفى بين الشباب والأتباع والمريدين، نفس الشىء فعله حينما ذهب لمجالس الشيخ المطيعى فى بيت طلبة ماليزيا بالقرب من ميدان عبده باشا بالعباسية، واستمع منه شروح صحيح البخارى، المجموع للإمام النووى، والأشباه والنظائر للإمام السيوطى، وإحياء علوم الدين للإمام أبى حـامد الغزالى.
مجرد دروس فى المسجد لا دراسة منهجية ولا أكاديمية، ولا حتى إثبات بأن الألبانى أو المطيعى قد منحه إجازة أو شهادة مثبته بأنه تتلمذ على يد أحدهما أو عهدا إليه بلقب الوريث كما أشاع عن نفسه بأنه وريث الألبانى.
لذا كان صادما للأتباع والمريدين أن يشاهدوا الشيخ الألبانى وهو يلقى محاضرة فى المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية فى قلب القاهرة دون أن يكون برفقته الشيخ المصرى الذى يقول بأنه وريثه أو تلميذه، ثم جاء تفسير الأمر واضحا على لسان الشيخ الألبانى نفسه فى شريط صوتى مسجل لأحد دروسه يحمل اسم سلسلة الهدى والنور الشريط رقم 229، حينما سأل أحد الحضور الشيخ الألبانى عن أبوإسحاق الحوينى وهل صحيح بأنه خليفته فى علم الحديث؟ فرد الألبانى: لا ليس صحيحا وما قلت له ذلك.
وفى جلسة أخرى، ضمن نفس السلسلة «الهدى والنور» الشريط رقم 591 سأل أحدهم الشيخ الألبانى: أخبرنا بعض الإخوة فى مصر أن أباإسحاق الحوينى يقول إن معه إجازة منكم، فهل هذا صحيح؟ وكذلك يقول بعض الإخوة إن أباإسحاق يدعى بأنه خليفتكم فى علم الحديث - مع أننا نسمع نحن فى اليمن أن الرجل الذى بعدكم فى علم الحديث، هو الشيخ مقبل بن هادى الوادعى، فما تعليقكم على هذا؟ ورد الشيخ الألبانى على السؤال قائلا: «هذه الدعاوى كثيرة وكثيرة جدا ولا أقول شيئا من هذا فى أحد مادمت حيا لأننى أرجو أن يكون الخلفاء من بعدى أكثر من واحد أو اثنين».
كان أمر أبوإسحاق الحوينى واضحا منذ سنوات إطلالته الأولى، تناقضات واضحة فى مسيرته، وإصرار عجيب فى كل خطبه وأحاديثه عن عدم جواز الحديث فى الدين إلا لأهله من الشيوخ والعلماء، رغم أنه هو شخصيا لم نتلمس له طريقا أكاديميا محترما ومنهجيا ومؤسسيا يدفعه أو يمكنه من الحديث كعالم أو فقيه، كان أكثر شيوخ التيار السلفى حدة وهجوما على أى شيخ أو مثقف أو كاتب يختلف معه فى المنهج أو الفكر، وكان دوما لا يرد على أطروحات الشيوخ أو المفكرين، مكتفيا بالإشارة إلى أنهم ليسوا أهل علم رغم أنه نفسه لا يحمل ما يؤهله سوى أن يكون مجرد واعظ مثله مثل الآلاف من أهل التيار السلفى الذين يعتقدون فى أن حضورهم بعض المجالس والدروس والاطلاع على كتب الفقه والحديث مؤهلا للحديث فى الدين وعلومه وتدريسها للناس، ولكن الحوينى لايرضى بدور الواعظ هو يبحث عن مرتبة الشيخ المقدس الذى يحرك كل شىء ويحكم فى كل شىء فن وسياسة واقتصاد ومصائر بشر أيضا.
تظهر رغبة السيطرة وأمنية الحوينى فى أن يتحول الشيوخ إلى حكام يأمرون فيطيع الجميع فى تصريحاته وأحاديثه المختلفة التى ربما كان أوضحها تعليقه الوارد بخصوص قضايا ازدراء الأديان حينما قال نصا: «إن هيئة كبار العلماء مقصوصة الأظافر، ولا تستطيع أن تتخذ إجراءات ضد من يهاجمون الصحابة، وقال أبوإسحاق الحوينى، فى محاضرة لشرح كتاب «شرح الباعث الحثيث فى شرح اختصار علوم الحديث»، نشرها عبر موقعه الرسمى، إن هناك «جهلة» يهاجمون الصحابة والنبى، وهؤلاء الجهلة يتحدثون فى غيبة كبار العلماء فى بلاد الإسلام وحتى فى حال وجود كبار العلماء فهى مقصوصة الأظافر ليس لديها أى صلاحيات كى تعاقب هؤلاء الجهلة الخارجين عن حدود الدين والملة بتهكمهم على القرآن والسنة.
هكذا بكل بساطة منح الحوينى نفسه حق وصف غيره بالجهلة، بعنصرية وفوقية وغرور لا يمكن أن تكون جزءا من روح وتكوين وثقافة عالم فاضل وجليل، ثم تحدث بما يجول فى صدره من رغبة فى السيطرة وتحويل الشيوخ إلى حكام، حينما أشار إلى أن كبار العلماء لابد أن يكون لديهم صلاحيات لعقاب من يخرج عن الدين، أو من يقول كلاما فى الدين لا يعجب سيادته بوصفه طبعا شيخا مقدسا.
نفس الأمر والتوجه والرغبة فى السيطرة واحتقار الجميع يظهر فى موضع آخر من مواضع حديث أبوإسحاق الحوينى وتحديدا فى شريط كاسيت يتضمن خطبة له بعنوان «مداخل الشيطان»، يتحدث فيها بكل وضوح عن رغبته فى أن يتحكم ويحكم الشيوخ فى حياة البشر سواء كانوا أهل سياسة أو أهل تجارة حينما قال نصا: «كم يا ترى للتجار مستشارين من أهل العلم؟ التجار الكبار لهم مستشارون قانونيون ومحاسبون، ويعطونهم رواتب عالية وثابتة، ويعطونهم نسبا أيضا، وأهلُ العلم استشارتهم مجانية بلا مال، فهل يا ترى لكل تاجر كبير مستشار من العلماء يقول له: هذا حلال وهذا حرام، ويصدر عن فتواه؟ هذا مِن أدل الأدلة على أننا لا نوحد الله عز وجل توحيد الحاكمية الذى هو من أخص خصائص توحيد الألوهية».
هكذا وبمنتهى البساطة، حول الحوينى الدعوة إلى وظيفة، بل واعتبر أن عدم وجود شيخ مخصص يتقاضى أجرا من التاجر أو رجال الأعمال دليل على عدم التوحيد والإسلام الصحيح.
لا نخوض فى جدل فقهى مع الحوينى أو مع شيوخ التيار السلفى عموما، تلك وظيفة العلماء ورجال الأزهر الذين طالما أثبتوا لنا فى مواقف عدة اهتراء منهج شيوخ التيار السلفى وجنوحه عن الطريق السليم لتعاليم الإسلام ورحمته وسماحته نحو اتجاه الغلو والتطرف وخدمة الإرهاب، نحن نتتبع هنا حالة التناقض والأكاذيب التى تسيطر على خطوات الحوينى ورفاقه من الشيوخ الذين أوهموا أتباعهم أنهم أهل قداسة لحومهم مسمومة لا يجوز انتقادهم، بينما جلودهم وآراؤهم تتلون وفقا للمواقف والمصالح والأهواء، الحوينى على سبيل المثال كان واحدا من أشهر شيوخ التيار السلفى الذين ساروا بجوار الحائط، بل «جوه الحيط» نفسه فى زمن مبارك ولم يسمع منه الناس كلمة حق فى وجه الظلم والجور الذى طال عددا كبيرا من المواطنين بل ومن السلفيين أنفسهم، كان يعيش مرتضيا بالصفقة التى عقدها السلفيون مع أجهزة ومؤسسات دولة مبارك، لهم المساجد للوعظ والدين وللدولة السياسة، بل بعضهم ومن ضمنهم الحوينى نفسه قام بتقديم ما كان أكثر من المطلوب وقتها، وعمل فى خطبه ودروسه على دعم دولة مبارك بخطب وأحاديث وشرائط كاسيت عن احترام ولاة الأمر وتحريم التظاهر، مستندا إلى تعاليم شيخه «ابن باز» معلما لتلاميذه فى المساجد وللمشاهدين فى منازلهم عبر برامجه التى كانت تبث فى الفضائيات الدينية التى سمحت دولة مبارك بوجودها للسلفيين أن منهج السلف يرفض ويحرم التشهير بعيوب الحكام والولاة وذكر ذلك على المنابر لأنه يؤدى إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة.
كان هذا رأى الحوينى الذى يتبعه دوما بتأكيد على أن نصح الحاكم هى مهمة العلماء والشيوخ، مستمرا فى طريقه الذى يبحث من خلاله عن دور للشيوخ كى يكونوا مرجعية للحكام والتجار والسيطرة على كل شىء، ولكن الحوينى مثله مثل باقى شيوخ التيار السلفى خالف وناقض نفسه حينما شعر بأن كفة ثورة 25 يناير ترجح لصالح المتظاهرين، فخرج يسابق الزمن ليشارك ويدعو للمشاركة فى المظاهرات التى كان يحرمها، وكان واحدا من أوائل الشيوخ الذين دعوا الشباب للمشاركة فى المليونيات بميدان التحرير لنصرة الشريعة بعد أن ظل لسنوات يعلمهم ويفتيهم بأن التظاهر والخروج على ولى الأمر والحكام حرام ومن مسببات الفوضى.
ثم عاد الحوينى فى يوليو 2013 وحرض الشباب على التظاهر حينما نقل ابنه لوسائل الإعلام كلمات أبيه بخصوص مظاهرات الإخوان قائلا بأن الشيخ أبوإسحاق الحوينى شدد فى لقائه بأعضاء مجلس شورى العلماء على أن «عودة الرئيس د. مرسى إلى مكانه الشرعى هو أول وأهم الخطوات للنهوض بالبلد بعد كبوته».
ليس هذا وكفى، بل تفضح المواقف تناقض الحوينى بالعودة إلى كلماته الشهيرة قبل 25 يناير 2011 حينما كان ينصح السلفيين قائلا: «الداعية لا يجب أن يلبس ثوب السياسة»، ثم ناقض هو نفسه تعاليمه وفتواه وانطلق مثل الجواد الجامح يبحث عن النفوذ والسيطرة فى المشهد الجديد بالعمل فى السياسة واستغلال وضعه الدينى بين الشباب لتحريضهم على المشاركة فى المظاهرات، ثم التحريض على أن يكون للعلماء والمشايخ الذى هو واحد منهم مكانة ومرجعية تقود أهل السياسة، ثم أمعن فى مشاركته السياسية بدعم حازم صلاح أبوإسماعيل فى الانتخابات الرئاسية، ثم التحول إلى دعم مرسى بعد خروج أبوإسماعيل من المشهد محرضا الناس على انتخاب مرشح الإخوان حماية للإسلام ونصرة له.
نار السياسة أحرقت الحوينى كما فعلت مع غيره، وهجها كان مثل الشمس التى أنارت ظلمة تناقضات الشيوخ كما حدث مع الحوينى فى مشهد اختلاط الجنسين، كان الحوينى واحدا من أكثر الشيوخ تطرفا فى رفض الاختلاط، كان على رأس قائمة الشيوخ التى تؤكد أن صوت المرأة عورة، بل وصل إلى درجة تحريم ورفض ظهور امرأة منتقبة على شاشات بعض الفضائيات السلفية، وكان له فتوى شهيرة قال فيها: «إن دراسة الفتيات فى الكليات التى فيها اختلاط حرام، وجميع الفتيات الكائنات داخل الكليات المختلطة آثمات، وهذا كلام نهائى لا نقد فيه، فنحن لسنا فى حاجة إلى النساء فى هذا الكلام، فالرجال لديها المواهب».
ودعا الحوينى فى آخر فتواه إلى تأسيس أقسام للفتيات منفصلة عن الطلاب، وتأسيس كليات طب خاصة بالفتيات، ومواصلات خاصة لهن، هكذا وبكل بساطة كان حاسما وواضحا فى رأيه بتحريم الاختلاط حتى ولو كان السبب التعليم، وحتى ولو كان اختلاطا فى مواصلات عامة، ولكن المصلحة تغير كل شىء، تحكم الشيوخ وتغير اتجاه فتواهم، لذا لم يكن مستغربا أن نرى الحوينى صامتا راضيا بل فرحا ومشجعا بجموع المتظاهرين والمعتصمين فى النهضة ورابعة واصفا إياهم بالإخلاص والشرف والعفة رغم أن الاعتصام كان قائما على الاختلاط ورغم أن مظاهرات التيارات الإسلامية وقتها كانت تصدر النساء والفتيات فى صدارة المشهد، ولم نسمع الحوينى الذى اعترض وحرم ظهور النساء حتى ولو كن منتقبات على الشاشات معترضا ومحتجا ومحرما لظهور النساء على منصة رابعة حتى ولو كان بعضهن غير محجبات، والسبب أن فى وجودهن مصلحة تخدم أفكاره وتياره.
تناقضات الحوينى مستمرة وتتجلى فى كل المواقف الهامة خلال سنوات الثورتين، الحوينى الذى لم يعترض يوما ولم يحرم مظاهرات السلفيين وشتائمهم وتحريضهم ضد التيارات المدنية والسياسية الأخرى خلال سنوات مابعد 25 يناير وفترة حكم مرسى، لم يحرم اعتصام السلفيين أمام مدينة الإنتاج الإعلام ولم يغضب أو يتبرأ من شتائمهم وتهديدهم، ولم يرفض تدخلات الإخوان والسلفيين لفض اعتصام الإتحادية وضرب النساء والفتيات والتشهير بهن، ولم يحرم ولم يتبرأ من مظاهرات حصار الإخوان والسلفيين للمحكمة الدستورية، ولم يوجه رسالة إلى محمد مرسى، رئيس البلاد وقتها، رسالة يحذرها فيها من فوضى التظاهر والاعتصام، هو نفسه الحوينى الذى ناقض كل ماسبق وخرج بعد 30 يونيو يستنكر دعوة عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها لنزول الجماهير إلى الميادين لمنحه تفويضا بمحاربة الإرهاب، وأصدر بيانا يقول فيه إن هذه المظاهرات قد تؤدى إلى حرب أهلية وسفك للدماء المحرمة، بينما لم نسمع له صوتا ولا فتوى ولا رسالة تنهى السلفيين والإخوان فى زمن مرسى وما قبله وما بعده عن التظاهر، بل لم نسمع منه إدانة واحدة لعنف الإخوان والإرهابيين ضد المدنيين ورجال الشرطة والجيش، وكأن سفك الدماء حلال طالما يحقق مصالح الإخوان والسلفيين وجماعات الإرهاب.
كيف نتعجب من هذا التناقض ونحن نتحدث عن رجل سمى نفسه شيخا وسمح لمن حوله أن يطلقوا عليه أعلم أهل الأرض فى علوم الحديث، وإلى آخر قائمة الألقاب الفخيمة التى يزكى بها نفسه، وهو يتلون فى كل خطبة، وكل حديث وكل درس، يحدث الناس عن تكريم الإسلام للإنسان فى كل موضع وكل زمان، ثم حينما يتوهم أن جماعات الإسلام السياسى أصبحت فى موضع قوة وتمكين بعد 25 يناير يطل على الناس بوجه حقيقى يشجع على الغزو والسبى والأسر، بل ويعتبر تلك الأمور من مقومات الاقتصاد القوى حينما قال فى تسجيل صوتى انتشر فى شهر يونيو 2011 بأن عودة الرق والعبودية هى الحل لأزمة الفقر فى مصر قائلا: «إن الجهاد فى الوقت الحالى هو فرض عين، نحن فى زمان الجهاد، الجهاد متعة الصحابة كانوا يتسابقون عليه، الفقر اللى احنا فيه سببه ترك الجهاد، مش لو كنا كل سنة بنغزو مرة ولا اثنين ولا ثلاثة كان هيسلم ناس كثيرون فى الأرض واللى يرفض هذه الدعوة مش كنا هنغزوه وناخدهم أسرى وناخد أموالهم وأولادهم ونساءهم وكل دى عبارة عن فلوس» ثم قال إن كل واحد من الصحابة كان بيرجع من الجهاد وإيده مليانة كان بيرجع معاه اثنين أو ثلاثة شحطة وتلات أو أربع نسوان و3 أو 4 ولاد اضرب كل راس من دول فى 300 درهم أو دينار تلاقيه راجع بمالية كويسة لو هو راح يعمل صفقة تجارية ولا حاجة مش هيعمل الفلوس دى.. كل مايتعذر ياخد رأس يبيعها ويفك أزمته ويبقى له الغلبة».
تناقضات الحوينى وتلونه لم تقتصر على الوضع السياسى فقط، بل تمس المنهج، منهجه هو الذى يقدم على أنه منهج تقصٍّ وبحث وتدقيق وفق كونه حارس علم الحديث القائم على التحقيق والتدقيق، والدليل يظهر فى عدد من الروايات الغريبة والمكذوبة والمنقوصة وغير المسندة التى كان الحوينى ومازال يرويها فى دروسه على أنها حقائق مطلقة، ولكن كما عادة الشيوخ لا مشكلة فى أن تتلاعب فى الروايات والحقائق طالما ستخدم فكرتك وستجعل للخطبة طعما ساخنا ومذاقا جاذبا لعقول الشباب المتحمس لنصرة الدين والإسلام والمتوهم فى أن الحوينى وغيره من الشيوخ هم حماة الدين من المؤامرات الكونية.
فى واحدة من دروسه المسجلة، تكلم الحوينى عن قصة هدى شعرواى، دون أن يحقق معلوماته ودون أن يذكر مصادره، قال نصا عن قصتها: «بعد عودة هدى شعراوى من فرنسا عقب رحلة كان الهدف منها تأهيلها هناك لدور تلعبه فى إفساد المرأة المصرية، ذهب والدها لاستقبالها فى ميناء الإسكندرية، ولما نزلت من المركب أبوها على باشا شعراوى شافها قالعة النقاب، كانت مغطية وشها، أصل وش المرأة زى فرجها، فأبوها غضب وراح واخد نفسه ومشى مارضاش يستقبلها».
أزمة الحوينى فى تلك الرواية لا تتوقف عند فكرة الزيادة أو النقصان أو التأويل أو إضافة بعض «التحابيش» لتسخين الخطبة كما هى عادة الشيوخ، بل كانت أزمة معلومات مكذوبة يتم وضعها فى عقول الناس كأنها الصواب المطلق، لأن هدى شعراوى ليست ابنة على باشا شعراوى، هى ابنة محمد سلطان باشا، رئيس مجلس النواب المصرى الأول فى عهد الخديو توفيق، أما على شعراوى الذى قال الحوينى بكل ثقة أنه والدها الذى رفض استقبالها فى الميناء لأنها كشفت وجهها فهو زوجها وقصة زواجهما أشهر من ألا يعرفها جاهل، لأن زواج هدى محمد سلطان من ابن عمها والوصى عليها على شعراوى الذى كان يكبرها سنا تم الترتيب له من قبل والدتها، وقد غيرت لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى «شعراوى» تقليدا للغرب، ولكن بعد الزواج تبين أنه قد عاد لزوجته السابقة فانفصلت عنه مع بقائها على ذمته بمثابة فترة «استقلال» استمرت سبع سنوات.
الأمر الثانى أن والد هدى شعراوى توفى عام 1884 وقت أن كانت ابنته هدى فى الخامسة من عمرها! ثم إن هدى شعراوى خلعت البرقع أو النقاب وكشفت وجهها عام 1921 أثناء استقبالها ومعها عدد من النساء لسعد باشا زغلول وزوجها بعد العودة من المنفى وليس وقت عودتها من فرنسا كما قال الحوينى.
لم يترك أبوإسحاق الحوينى أى فرصة إلا واستغلها فى تفخيم الشيوخ وإنزالهم مكانة التقديس، هو أشهر المشايخ الذى يرى أى انتقاد لأى شيخ بأنه نهاية الكون، وهو أكثرهم ترديدا لمقولة لحوم العلماء مسمومة، كلما انتقد كاتب أو مفكر أو مذيع شيخا، كان الحوينى يشهر لسانه ويبدأ فى اتهام صاحب النقد بالجهل وبعداوة الإسلام، ولكن الحوينى نفسه طبقا للوقائع هو أكثر من أكل لحوم العلماء وظل حيا وكأنه يبرهن لنا أنها ليست مسمومة ويجوز نقدها بل والانتقاص منها بالشتائم دون أن ينقلب الكون رأسا على عقب، للحوينى كلمات شهيرة فى نقد القرضاوى وصلت إلى حد السباب حينما قال نصا: «محدش ياخد من يوسف القرضاوى علم عشان مش بتاع علم ده انتهازى»، والحوينى هو الذى انتقد اجتهاد بعض العلماء الذين رفضوا العمليات الانتحارية ووصفهم فى شريط كاسيت يحمل عنوان خطبة غزو أحد قائلا: «بعض من لا يفهمون الحقيقة يقولون هذا منتحر، وهذا أقل ما يقال فيه إنه جـلـيـطة»، هكذا استخدم الشيخ الذى يخطب كثيرا عن عفة اللسان لفظ «الجليطة» ليصف شيوخا كتب فى سيرته أنه أخذ العلم منهم أو زاملهم فى مجالس شيوخه مثل ابن باز والألبانى وابن عثيمين والراجحى وأحمد النجمى والفوزان وعبيد الجابرى وربيع المدخلى.
الحوينى نفسه لم يسلم من لسان الشيوخ، سألوا عنه الشيخ أحمد بن يحيى النجمى فقال إنه تكفيرى، وسألوا عنه بن هادى المدخلى فى جلسة مع الإخوة الفلسطينيين صدرت فى شريط كاسيت يحمل نفس العنوان فقال: الحوينى لا يزداد إلا بعدا عن المنهج السلفى وتلاحمًا مع القطبيين، وسألوا الشيخ عبدالمالك بن أحمد رمضانى فقال: أما الشيخ أبوإسحاق الحوينى فأنا أخشاه على مصر، كما كنت أخشى على أهل بلدنا الجزائر «على بلحاج»، يتبع نفس المنهج فى الإثارة والدغدغة بالعواطف، وكثرة التهييج السياسى، ولعل السائل يجد ذلك واضحًا مسموعًا، خطب تخالف السنة: ساعة وساعتين، ثم محتوى فارغ كله حديث عن الوزراء والمسؤولين، وتضييع وقت المسلمين فى التحريض السياسى.
حتى وجدى غنيم نفسه لم يترك الحوينى فى حاله، ولكنه اتهمه بالجبن والخنوع والخضوع بسبب الاختفاء فى السنوات الأخيرة، رأى مثل غيره من شباب التيار السلفى أن الشيخ الحوينى الذى حرض على التظاهر وتحدث عن ضرورة الجهاد لنصرة الإسلام حينما شعر بأن التيارات الإسلامية أصبحت فى موضع ضعف قرر الانسحاب خوفا على نفسه وقرر أن يصمت بدلا من أن يواجه، ليبدو وضعه مشابها لوضع الملك النعمان حينما ضعفت قوته وتداعى ملكه فى الحيرة، فخرج النعمان هائما هاربا فى الصحراء يطلب الملاذ من بنى عبس وذبيان وغطفان فلا يجد.. حتى وجد الملجأ فى بنى شيبان عند صديقه هانئ بن مسعود ولم يكن الملجأ سوى حقيقة وحكمة قالها هانئ للنعمان «كل شىء يمكن أن يكونه الرجل إلا أن يكون بعد الملك سوقة، والموت نازل بكل أحد، ولإن تمت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تصبح لاجئا بعد أن كنت ملكا ولن يحفظ هذا عليك حياتك.. اذهب نحو مصيرك.. عد ملكا أو واجه الموت، فذلك خير من أن يتلاعب بك الصعاليك وتتخطفك الذئاب»، وهذا هو الحوينى بلا شك وقت ضعف تياره قرر أن يهرب، مثله فى ذلك مثل الصعاليك لا أصحاب المبادئ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة