عالم الفساد ممتد ومتسع ومزدحم بالكثير من التفاصيل. وبمناسبة قضية محافظ المنوفية السابق المتهم بالرشوة الذى صدر حكم الجنايات عليه بالسجن المشدد 10 سنوات، وغرامة 15 مليون جنيه.
فى التفاصيل نحن أمام قضية نموذجية من قضايا الفساد التى اعتدنا عليها خلال عقود وليس فقط سنوات، مع الأخذ فى الاعتبار أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت ضبط عدد من المرتشين يتجاوز أى أرقام سابقة. لدينا وزير الزراعة الأسبق وعدد وافر من رؤساء الأحياء، ومحافظ المنوفية السابق، ونائبة محافظ الإسكندرية السابق.
كل قضية من هذه القضايا بالملايين وكل متهم نكتشف أنه كون ثروة طائلة خلال فترة قصية فى المنصب. محافظ المنوفية السابق هشام عبد الباسط، خلال عام واحد فقط كون ثروة ضخمة، حيث يقدر ما تم حصره خمسين مليون جنيه، بين شقق وسيارات وأموال فى البنوك وكلها خلال عام 2017 فقط. وهى من حصيلة رشاوى حصل عليها مقابل توقيع بتخصيص أراضٍ أو ترخيص مشروعات. وتم ضبطه فى قضية رشوة بـ2 مليون جنيه.
وحسب ما هو متواتر، فقد سقط المحافظ السابق ببلاغ من زوجته التى اكتشفت أنه ينوى الزواج عليها. وبحسبة بسيطة فإن المحافظ لو استمر فى منصبه لعام آخر لاستطاع مضاعفة ثروته إلى 100 مليون وربما أكثر.
وهناك توقع ولو بسيط بأن المحافظ لو لم يفكر فى الزواج من أخرى، كان يمكن ولو باحتمال بسيط أن يستمر ويضاعف ثروته من الرشوة، ويخرج فى تعديل أو تغيير، ويفوز بغنائمه من المال الفاسد، ولاشك أن هناك حالات لمسؤولين فازوا بغنائمهم من المال الفاسد.
اللافت للنظر والذى لم يلفت نظر أحد أن محافظ المنوفية السابق، لم يكن حذرًا، وبدا فى الاستعراض بأموال الرشاوى، اشترى 7 شقق بملايين، و12 سيارة، وحساب فى البنك بـ25 مليون جنيه، وهو ليس وارثًا ولا مستثمرًا ولا ضاربًا للودع ومولدًا للثروة، لكنه مجرد موظف براتب ثابت يقدر بحوالى 20 ألف جنيه وربما يصل إلى ضعف هذا المبلغ. وبالتالى فإنه يمكن التقاط رائحة المال الفاسد فى مظاهر استعراض المحافظ السابق، والذى ربما كان ساذجًا، بينما هناك فاسدون يحذرون كثيرًا ولايحدثون بأملاكهم وأموالهم الحرام، وهنا يفترض إعادة النظر فى إقرارات الذمة المالية بشكل أكثر جدية من مجرد كونها ورقة يوقعها المسؤول سنويًا.
ونعود إلى أهمية تطبيق قانون من أين لك هذا، مع حالات الثراء المفاجئ والذى بلا مصدر واضح لأن حالة المحافظ ليست استثناء، وهناك مسؤولون وموظفون صغار أو كبار تظهر عليهم مصادر الثراء المفاجئ من أملاك أو سيارات ولا يكون لأى منهم نشاط غير الوظيفة.
نحن بالفعل أمام حالات وارد فيها الفساد أو القابلية للفساد، تحتاج إلى تأمل وتحليل لمواجهتها، فالمحافظ أو رئيس الحى يحصل على راتب 20 أو حتى 40 ألف جنيه، لكنه يوقع على قرارات بملايين وعشرات الملايين، ونحن لا يمكننا القول عن كل المسؤولين فاسدين، لكن من المهم النظر إلى النسبة والتناسب بين راتب بسيط لموظف فى الإدارة الهندسية وقيمة العقار المطلوب الترخيص له. أو سعر الأرض التى يفترض أن يوقع عليها المحافظ لرجل أعمال مليونير أو ملياردير.
هنا تظهر القابلية للفساد، والتى تمثل ثغرات للفساد يدخل منها الراشون وبجانب هذا فإن البيروقراطية والتعقيدات فى الإدارات الهندسية تمنح القابلين للفساد سلطات يمكنهم المتاجرة بها وتحويلها إلى تجارة حرام.
وهنا يمكن التقاط الثغرات التى ينفذ منها الفساد، فالمحافظ أو رئيس الحى أو رئيس الشركة أو الوزير، يمتلك سلطات مطلقة بالتوقيع الذى يمنح أو يمنع، ولا توجد لدى المواطن طريقة غير الرضوخ لمطالبهم، ولا توجد طرق للاعتراض أو التفاوض.
نحن أمام تركيبة معقدة وتشابكات، وثغرات بحاجة لدراستها، إذا كانت هناك جدية فى مواجهة الفساد والتقليل منه، وهناك دول سبقتنا إلى معالجات لهذه الظواهر بشكل خفض الفساد، بينما نحن أمام حالات فردية يتساقط فيها الفاسدون بمصادفة أو مراقبة، لكن هناك فاسدون يفوزون بالغنائم. نحن بحاجة لمعرفة حدود الفساد حتى يمكننا مقاومته بفاعلية وجدية.