- الجزيرة الإنجليزية تكلفت 2.7 مليار دولار وفشلت.. والقناة تعمل حاليا لصالح تصفية الحسابات القطرية ضد مصر ودول الخليج
ما يقرب من عشرين عاما قضاها الإعلامى السودانى حسن إبراهيم داخل فضائية الجزيرة المملوكة لنظام القطرى، تنقل خلالها بين مكاتبها المختلفة، وكان شاهد عيان على ما يدور خلف الشاشة وقريبا من صناعة القرار فى القناة القطرية، ليخرج بخزينة من الأسرار، كشف عنها فى حواره لـ«اليوم السابع».
دخل حسن إبراهيم «الجزيرة» عام 2005 وغادرها رسميًا 2017 وما بين التاريخين جرت فى أنهار الأحداث بالمنطقة مياه كثيرة، وكانت القناة القطرية شاهدا على بعضها، وصانعا للبعض الآخر، فهذا هو الدور الذى رسمه لها مؤسسوها بأن تتداخل فى صناعة الأحداث بالمنطقة بما يخدم مصالحهم، لا بما يخدم أهداف أية وسيلة إعلامية فى رصد الحقائق ونقلها من دون تزييف، وكان للدولة المصرية نصيب كبير من استهداف القناة القطرية منذ تأسيسها.. وهو ما يتكشف فى السطور التالية:
فى البداية حدثنا عن كيفية مشاركتك فى تأسيس «الجزيرة»؟
- أنا كنت أعمل فى قناة الـ«BBC» الإذاعية منذ عام 1994، ثم انضممت إلى الـ«BBC» التليفزيونية، ولظروف أسرية خاصة جعلت من وجودى فى بريطانيا أمر صعب، فانتقلت إلى الدوحة للمكوث فيها لمدة عام فقط، لكننى بدأت العمل فى الجزيرة 27 نوفمبر عام 1996 ثم انتقلت إلى الجزيرة الإنجليزية عام 2005 وبعد سنوات، ونظرا لظروف صحية حصلت على إجازة مرضية وأعلنت تركى للجزيرة رسميا عام 2017، لكن فعليا أنا خارج قطر من عام 2015.
وهل كانت الأسباب الصحية فقط وراء تركك للقناة؟
- كانت سببا رئيسيا، لكن كانت هناك أسباب أخرى أبرزها أننى ليس لدى الرغبة فى الاستمرار فى قناة الجزيرة، لأننى أراها والإعلام العربى عامة يفتقدون الموضوعية، بالإضافة إلى أننى إنسان أكاديمى ووجدت أن العمل الإعلامى ينتقص من عملى الأكاديمى، وأنا كان لدىَّ اعتراض على السياسية التحريرية على قناة الجزيرة وغيرها من الفضائيات لأسباب كثيرة جدا، لأنه من يدفع المال للقناة يمتلك الرسالة، ورسالة قطر أنا لا اتفق معها، لأنها تخدم مصالح دول خارجية.
رغم كل هذه التحفظات استمر عملك فيها سنوات طويلة.. فمتى بدأ خلافك مع القناة؟
- الجزيرة قبل حرب العراق كان فيها توجه قومى عربى وكان مديرها آنذاك محمد جاسم العلى وهو كان إعلاميا حقيقيا، لكن بعد عام 2003 حصلت أخونة القناة، وكثير من وسائل الإعلام العربى، وأنا أرى أن جماعة الإخوان حركة متخلفة جدا وتستهدف فرض حياة وسياسة بالعافية حتى يتحقق المشروع المسمى بالحضارة الإسلامية، وهذا يخالف نهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان يقول «أنتم أدرى بشؤون دنياكم» فرسول الله من قبل الخلافة الراشدة قرر أن أمور الناس الحياتية يحلها الناس وفقا للتحديات التى تواجههم، لكن عندما يأتى الإخوان بكل غرور ويقولون إنهم لديهم مشروع لتغيير المجتمع وفقا لشكل معين فهذه مشكلة.
وماذا حدث بعد تغيير محمد جاسم العلى مدير الجزيرة؟
- تم تعيين وضاح خنفر، وأصبحت قناة الجزيرة فضائية إخوانية بالكامل وذلك عام 2003 وبالتحديد بعد غزو العراق، وهو الحدث، الغزو، الذى غير حياة العرب جميعا وليس الربيع العربى، فغزو العراق مثل نكسة 67 التى خلقت حالة انكسار لدى الناس، ومنظر جنود الأمريكان فى العراق أصابنى شخصيا بالانهيار العصبى، لأنه كان ذلا ما بعده ذل وإحساس لا يوصف.
والحقيقة أن التغيير بدأ منذ الغزو العراقى، والتيار الإسلامى قادر على الحشد والسيطرة على الحكم، وهذا شىء لا تلام عليه الثورات بل تلام عليه القوى المدنية، والإخوان فازت فى الانتخابات عام 2012 بالتزوير، ومحمد مرسى لم يفز بالانتخابات من الأساس، وعندما كنت فى مكتب الجزيرة بالقاهرة خلال انتخابات 2012 جاء لنا فاكس يحتوى على خبر فوز الفريق أحمد شفيق وتوجه الحرس الجمهورى نحو منزله، تمهيدا لتنصيبه رئيسا لجمهورية، وتمت إذاعة خبر فوز «شفيق» وخسارة «مرسى» على شاشة الجزيرة لمرة واحدة، ثم تبدل المشهد كله وتم اختطاف ثورة يناير من دول وجماعات تريد قتل العملية الديمقراطية داخل مصر.
وكيف استقبل مكتب الجزيرة خبر خسارة مرسى انتخابات الرئاسة فى تلك اللحظة؟
- خبر فوز «شفيق» بالانتخابات تمت إذاعته فى نشرة واحدة فقط، وأنا فى أسوأ كوابيسى لم أتصور فوز محمد مرسى بالرئاسة، وأنا كنت وقت إذاعة خبر خسارة مرسى الانتخابات فى مكتب القاهرة، وبعض الزملاء لم يكونوا مرحبين بهذا الخبر، والإخوان وقتها هددوا البلد بالحرق والدمار، وما أعلمه تماما أن الإخوان قفزوا على السلطة بصورة عجيبة وفى ظل غفلة من المجتمع المدنى، وأذكر عندما اجتمع «مرسى» بالفنانين وظهر بعض الفنانين يتكلمون بصورة مخزية جدا عن الفن النظيف، وقد قال الفنان عادل إمام قصائد شعر فى محمد مرسى، والسنة الكبيسة التى حكم فيها الإخوان مصر السبب فيها جبن القوى المدنية عن المواجهة وثورة 30 يونيو هى التى أنقذت مصر، لأن مصر «كانت رايحة فى ستين داهية».
من خلال عملك بقناة الجزيرة.. كيف رأيت العلاقة بين الفضائية والأسرة الحاكمة فى قطر؟
- الجزيرة مملوكة للحكومة القطرية، ويوجد أفراد من الأسرة الحاكمة فى قطر موظفين داخل الجزيرة، ومحمد بن جاسم عندما كان وزيرا للخارجية والجزيرة من أكبر الاستثمارات الإعلامية فى العالم وتعتبر أكبر من الـ«بى بى سى» و«سى إن إن» من ناحية الميزانية المالية وانتشار المراسلين.
وكم تقدر ميزانية قناة الجزيرة؟
- الآن لا أعرف، لكن عندما بدأت كانت ميزانيتها 500 مليون دولار وأظن الميزانية الآن ضخمة جدا، فالجزيرة الإنجليزية التى فشلت تكلفت وحدها 2.7 مليار دولار.
وكيف كنت ترى قناة الجزيرة مباشر مصر؟
- فضائية الجزيرة مباشر مصر كانت من الإخفاقات التى وقعت فيها فضائية الجزيرة، لأنها كانت «مؤدلجة» وتم تأسيسها من جانب الدوحة ضد مصر، وكانت فيها كمية من التربص والترصد ضد مصر بشكل مبتذل.
تردد أنكم كتبتم استقالات جماعية داخل الجزيرة.. متى حدث ذلك؟
- عندما كرم غسان بن جدو مدير مكتب الجزيرة فى بيروت سمير بن قنطار، وسمير القنطار قتل طفل إسرائيلى وهذا فى نظرى عمل إجرامى ولا أحترم صاحبه، وكتبنا وقتها استقالات جماعية وبالفعل تم وقف حلقات سمير قنطار.
كيف ترى فضائية الجزيرة بعد الربيع العربى؟
- أنا لدىّ محطات، فالجزيرة قبل الغزو الأمريكى للعراق حاجة وبعد غزو العراق حاجة ثانية خالص، فقبل الغزو كانت قناة قومية عربية، وبعد غزو العراق تحولت الجزيرة إلى فرع من حماس وهذه بالنسبة لى مشكلة لأنها سياستها التحريرية موجهة، وأصبح فيها رقيب وهذه كارثة والكارثة الأكبر أن يكون لدى الرقيب صبغة دينية، لأنه يعتبر الاختلاف معه خلاف مع الله سبحانه وتعالى، فالعراق كانت محطة لدى، وبعد 25 يناير كانت محطة أيضا وبعد صعود الإخوان للحكم كانت محطة أخرى، حيث اتخذت الفضائية خطا معاديا لمصر بالكامل، والآن أصبحت الجزيرة تعمل لتصفية الحسابات لصالح قطر ضد دول الخليج ومصر، والقناة زادت من سياستها المعادية لمصر بعد 30 يونيو، دعما للإخوان، لأنها تحولت إلى قناة إخوانية منذ عام 2004.
وأين ذهب مؤسسو قناة الجزيرة؟
- منهم من تم فصله لأسباب سياسية وإدارية، ومنهم من قدم استقالته بسبب ملله من الدوحة، فالدوحة مدينة بلا روح.
وبرأيك كيف أدار الإخوان قناة الجزيرة بعد سيطرتهم عليها فى 2004؟
- تنظيم الإخوان تنظيم انتهازى ضعيف ليس لديه كلمة وفشلوا كل شىء، والأوباش الموجودون فى سيناء لا يثقون فى الإخوان ويعتبرونهم جماعة برجماتية ويمكن بيعهم فى أى وقت، وأداء الإخوان فكريا سيئ جدا، وأول محاولة لعمل فكر للإخوان كانت من سيد قطب الذى كان أديبا ثم تحول للفكر الإسلامى وبعدين فشل، وسيد قطب وضع نفسه فى بوتقة معينة من مجلس العقاد إلى الفكر الإسلامى بدون فكر حقيقى، كما أن غروره الشخصى وعقده النفسية تغلبت عليه، وأكاديميا سيد قطب ضعيف غير منضبط، وعندما ترى العامل النفسى فى فكره فهو «حاجة مقرفة جدا «ولعلك تذكر وصفه لسيدنا موسى وكلامه عن أن سيدنا «موسى» مزاجى وهذا وصف غير علمى لشخص سيدنا «موسى»، وكذلك وصف المجتمع المصرى بالجاهلية.. أنا لو عايش فى مجتمع تحكمه مبادئ سيد قطب أعيش خائف جدا فى مجتمع مرعب جدا، لأنه فى كل لحظة يأتى لنا إنسان رقيب، وغير سيد قطب لا يوجد مفكر آخر داخل الإخوان.
القرضاوى
يقولون إن لديهم يوسف القرضاوى؟
- يوسف القرضاوى ليس مفكرا، ولكن معروف أنه فقيه.
ولماذا ترحب وتحتفى «الجزيرة» دائما بالقرضاوى؟
- القرضاوى هو من أسياد قطر، لأنه مربى كل أمراء قطر، فهو متواجد فى الدوحة من عام 1959، وكل العائلة الحاكمة «متربيين على يده»، ولذلك يجلونه إجلالا شديدا جدا.
وما رأيك بشكل شخصى فيه؟
- هو متناقض جدا، فهو فى الفقه بارع لكن توجهه الفكرى قاصر جدا ولا يمتلك الأدوات الفكرية، والقرضاوى عندما حاول الدخول فى السياسة فشل، وهو ليس بمفكر، ويتكلم بسذاجة شديدة فى السياسة، وبعض فتاواه عاطفية، وليس عنده فكر يقدمه للإخوان لأنهم متأثرون جدا بسيد قطب الذى لم تنضج أفكاره.
ما رأيك عامة فى أداء التيارات الإسلامية؟
- الجماعة الإسلامية والجهاد والسنة المحمدية والسلفيون والإخوان وكل هذه التيارات أصلهم وهابى وخارج التاريخ، وغير قادرين على أن يقدموا شيئا لخدمة البشرية أو دفعها للأمام، كما تفعل التيارات التى يفترض أنها فكرية، وهؤلاء أفكارهم خطيرة للغاية على المجتمعات، لأنهم يفترضون أنهم لديهم الحل النهائى لكل شىء وهذه كارثة كبيرة، والإخوان المسلمون مهما حاولوا ارتداء العباءة الليبرالية لكنهم متلونون وبراجماتيون ويستفزونى جدا بشعارهم «الإسلام هو الحل»، دون أن يقدموا حلولا لأزمات كأزمات المرور أو المياه أو الأزمة الاقتصادية، وهم فقط دائما ما يقولون كلمات وشعارات لدغدغة المشاعر.
نريد أن نعرف منك كيف كانت تستقبل قناة الجزيرة تسجيلات أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة؟
- أسامة بن لادن لما دخل معترك الحياة السياسية دخله من بوابة افغانستان وأنقق فيها من حر ماله ما يفوق مليار دولار، ولسوء حظه التقى بأيمن الظواهرى فى السودان بعد غزو العراق، وأنا أعتبر أيمن الظواهرى رأس الفساد، لأنه أقنع «بن لادن» بالانضمام «للجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى» التى تحولت فيما بعد لتنظيم «القاعدة»، وكانت فى بيشاور، وأسامة بن لادن كان رافضا الانضمام لها، وأيمن الظواهرى بخبث شديد جدا دبر محاولة اغتيال لـ«بن لادن» فى الخرطوم، وقد نجا منها وأحس وقتها أن تنظيم القاعدة هو الملاذ له، وقبل 11 سبتمبر كانت القاعدة تثق فى «الجزيرة»، وتمدها بالتسجيلات الخاصة بأسامة بن لادن.
وكيف كان يرسل بن لادن تسجيلاته لقناة الجزيرة؟
- كانت هذه عملية معقدة جدا، حيث كان يسجل الحلقة فى أفغانستان وتبث عبر الإنترنت لشركة فى بريطانيا، وبعد ذلك تسجل على شرائط ثم ترسل لمكتب الجزيرة فى الكويت الذى يقوم بإرسالها إلى القناة، وعندما كانت تأتى تسجيلات بن لادن للقناة كانت تبلغ السفارة الأمريكية، ليكون لها حق الرد، نظرا لأن تسجيلات بن لادن كانت أغلبها ضد الأمريكان وكانت شرائطه عبارة عن ساعتين أو أكثر وتكون عظة وخطابة، ولكننا فى الجزيرة كنا ننشر الشق السياسى فقط لا غير، وأنا أرى أن هذه الشرائط لو توفرت لأى فضائية أخرى كانت نشرتها مثلما فعلت الجزيرة.
حوارات-يسرى-فودة
من وجهة نظرك لماذا وصف البعض يسرى فودة باللغز الغامض للجزيرة، بعدما أجرى حوارات مع قيادات مثل خالد شيخ محمد ورمزى بن شيبه؟
- لا لغز ولا حاجة، يسرى كان لديه برنامج «سرى للغاية» وكانت تأتى إخباريات من المخابرات القطرية أن القاعدة تريد إجراء حوارات مع رمزى بن شيبة، وكان يحدث تأمين لهذه الحوارات من جانب المخابرات القطرية والباكستانية وكانت «القاعدة» تؤمن نفسها أيضا، وأنا لا أتهم يسرى فودة بشىء فقد كان يقوم بمجهود إعلامى وكمان لا ألبسه حالة من القداسة فى شغل الخاص بحوارات قيادات تنظيم القاعدة وغيره، وهو صحفى مجتهد، وأنا أراه يميل للدراما من أجل الشو، ويحب اللغة الدرامية.
فى كلامك معى انتقدت القوى المدنية.. هل كانت بينك وبين أى من قياداتها أية مواقف خلال تواجدك فى مكتب الجزيرة بعد 25 يناير؟
- القوى المدنية فى مصر جبانة، وأنا لدى مشكلة مع التيارات التى تقوم على عبادة الفرد سواء الناصريين أو اليسار، أنت إن لم تمثل شخصية وهذه الشخصية تحدد طريقة تفكيرك فهذه مشكلة، فأنا أحترم الإنسان الحر، وحمدين صباحى مثلا مهما حاول الفوز بالانتخابات لن يفوز حتى لو خاضها بمفرده.
كيف ترى ثورة 30 يونيو وما ترتب عليها؟
- 30 يونيو ثورة شعبية، والناس خرجت للشوارع، لأن نظام الإخوان كان هيودى البلاد فى ستين داهية، وما يحصل فى سيناء وأزمة سد النهضة ومحاولات تقسيم مصر جغرافيا، كل ذلك بسبب سنة حكم الإخوان، ف 2012 كان سنة كبيسة.
وكيف ترى المشروعات التى تتم فى مصر حاليا؟
- مشروع مثل قناة السويس الجديدة هو فى رأيى من أذكى المشروعات، لأنه تم فى زمان قياسى، وأريدك أن تنظر للخريطة العالمية، الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يعمل مشروع قناة الغرض منها تسهيل التجارة الأوروبية، أما التفريعة الجديدة لقناة السويس فتؤدى لزيادة الاستيعاب للسفن، خاصة أن التجارة العالمية فى زيادة، وهذا يؤكد أن هذا المشروع من أذكى المشروعات القومية.
أخيرا كيف ترى الإعلام التابع لجماعة الإخوان؟
- لا أشاهده لأنهم قنوات تعبانة وضعيفة جدا، ومقدمو البرامج فى الإعلام الإخوانى يميلون للدراما، وهى عبارة عن قتوات شتامة وتقوم على السب ولا تقدم أى جديد وخطابها غير موفق، ولا يوجد إنسان عاقل يقدم وجدى غنيم لعمل إعلامى، فهذا عار على أى منبر إعلامى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة