قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بجهاز تنمية المشروعات عليه الدور الأكبر فى إحداث الفارق التنموى والدخول بنا فى عصر جديد من العمل والإنتاج والابتكار، وإنهاء العهد الذى كان فيه المصريون فى عمومهم يحلمون بوظيفة مريحة يعملون فيها قليلا أو لا يعملون، ويتقاضون عنها راتبا ينفقونه على حياة رتيبة مملة بدون نجاحات تذكر، اليوم يحدث العكس، مع بزوغ روح جديدة فى المجتمع تعيدنا إلى بدايات القرن العشرين، عندما كان المصرى يحلم بمشروع صغير وفق إمكاناته يكبر به ومعه إلى أن يحقق النجاح لنفسه وأسرته.
ليست مصادفة أن يرتبط إنشاء جهاز تنمية المشروعات وصدور قرار من رئيس الوزراء باستقلاله عن أى وزارة، مع الحرب التى تشنها الدولة على الإرهاب والجماعات المتطرفة من ناحية، وعلى الفساد من ناحية أخرى، فمع نمو الجماعات المتطرفة والفكر السلفى المتطرف، ظهرت النزعة الخبيثة التى تصور الدنيا على أنها زائلة ولا معنى من الاجتهاد أو البناء فيها، وأن من الأولى البناء فى الآخرة بتلقى العلم الشرعى وتبادله فى حلقات العلم بالمساجد والاكتفاء بالمظهر الزائف للمؤمنين، وكأنه شارة أو إعلان عن إيمانهم ورسالة للآخرين بألا يطالبهم أحد بالعمل والكدح والابتكار.
مع الحرب على الإرهاب والتطرف، عادت النظرة المتوازنة للدين والدنيا لمجتمعنا، وعاد معها منهج العمل فى الدنيا كأنك تعيش أبدا، والعمل للآخرة كأنك تموت غدا، بينما هو مجال واسع للابتكار والاجتهاد والإضافة، ورأينا إلى جوار المشروعات العملاقة التى تنفذها أجهزة الدولة ومؤسساتها، توجها محمودا لدفع قطاعات المجتمع بأكملها إلى العمل، فليس كافيا لنهضة بلد بالكامل أن يعمل فيه قطاع الأعمال الرسمى فقط أو أن تتولى الشركات الكبرى الحكومية والخاصة مسؤولية دفع الاقتصاد ونموه، فالاقتصادات الكبرى كلها تقوم على ركيزتين إحداهما المشروعات الفردية والصغيرة التى تسد احتياجات المجتمع المحلى وتقدم الابتكارات والإضافات بشكل دورى.
وجود برنامج وطنى لتنمية وتطوير المشروعات، وتهيئة المناخ اللازم لتطورها وتحفيز المواطنين على الدخول إلى سوق العمل الحر والتشغيل الذاتى، ونشر وتشجيع ثقافة ريادة الأعمال والبحث والإبداع والابتكار بين شباب الخريجين، يحدث الفارق فى المجتمع ويدفع قطاعات جديدة إلى دخول سوق العمل بالأفكار الفردية والتمويل الذاتى أو بالمشاركة مع الجهات التمويلية فى الدولة، وهذه الجهات يتشعب دورها ليتجاوز المساهمة فى رأس المال الأساسى للمشروع الصغير إلى تقدير التدريب والمشورة والتسويق ومتابعة المشروع وتذليل أى عقبات تواجهه.
ومثلما أن التطرف والفشل والبحث عن الميرى للتمرغ فى ترابه، كانت أمراضا اجتماعية معدية لدرجة الوباء فى عهود سابقة، فإن الدراسة والاجتهاد والكدح لتأسيس المشروع الصغير الناجح والعمل على تنميته، أصبح منهجا ينتشر بسرعة فى أوساط الشاب الباحث عن فرصة لتحقيق أحلامه فى حياة عملية منتجة ومستقرة وناجحة، ورأينا خلال السنوات القليلة الماضية تجارب نجاح للعديد من الشابات والشباب، استطاعوا البدء من الصفر والوصول إلى نقطة مضيئة على طريق النجاح المهنى، ولم يكن ليتسنى لهم تحقيق هذا النجاح فى مجالات متباينة بدون تفهم ورؤية ودعم جهاز تنمية المشروعات وخصوصا قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
أحد أصحاب هذه التجارب الناجحة سمعت له تصريحا يقول فيه: «إن طموحه الحقيقى هو عودة الصناعة المصرية واستغلال الفكر الهندسى المصرى فى إنتاج العديد من المنتجات والآلات الصناعية، لنكون قادرين على تطويرها وصيانتها وتوفيرها لسوق الأعمال بأسعار تنافسية بدلا من الاستيراد والاستهلاك الدولارى»، ولكم أن تقارنوا بين هذا الشاب بفهمه ووعيه ورؤيته وبين شاب آخر مغسول الدماغ يرتدى الجلباب القصير والعمامة، ويتصور أن دوره فى الحياة أن يتلقى الدروس الدينية عن شيخه السلفى الذى تلقاها بدوره عن شيخه فى الخارج، وعندما تسأله ماذا تعمل؟ يرد عليك: أنا طالب علم، وتسأله مجددا كم عمرك؟ يرد عليك: 27 عاما، فتسأله هل أنت متزوج؟ فيقول لك: وأعول ثلاثة أبناء، طيب من أين تأكل أنت وزوجتك وأولادك؟ فيرد بأغرب إجابة يمكن أن تسمعها: «من هذه التجارة، مشيرا إلى صندوق صغير يحتوى على أدعية وأذكار دينية».
فعلا المجتمع يتغير، والمستقبل القريب سيشهد دورا فاعلا وكبيرا لجهاز تنمية المشروعات.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة