النوايا الحسنة وحدها لا تكفى لصناعة دراما حقيقية تعيد أمجاد المسلسلات المصرية إلى قوتها وتأثيرها فى مختلف البلدان العربية، نعم تتأثر الدراما الآن وتمر بأزمات مرضية جعلتها طريحة الفراش، وأجلست كثيرين من العاملين فيها أمام وخلف الكاميرات فى منازلهم، وإذا نظرنا نظرة موضوعية دقيقة للسبب الذى أوصلها لهذا الحال، سنجد أن أجور النجوم المبالغ فيها هى السبب الرئيسى، نعم نجوم الصف الأول الذين تصارعوا على الأعلى أجرا ونظروا لأنفسهم فقط، وظلوا يتباهون بذلك أمام وسائل الإعلام المختلفة.
المنتج يدفع للنجم أجورا مبالغا فيها وهو مضطر إلى ذلك كى يخرج مسلسله إلى النور ويطمئن القناة التى تشترى منه، بأن لديه نجما سيجذب الإعلانات، لكن النجم بلا رحمة يظل مبالغا فى أجره، حتى يضطر المنتج إلى ظلم فنانى الدور الثانى والثالث فى أجورهم وإعطائهم أقل مما يستحقون لأن النسبة الأكبر من ميزانية العمل تذهب للنجم بمفرده ، ومع كل ذلك تفشل القناة التى تعاقدت على العمل فى تغطية تكاليف المسلسل، لعدم قدرتها على جذب الإعلانات، وهو الأمر الذى أوصل عدد كبير من الفضائيات للإفلاس بسبب الديون المتراكمة ، فضلا عن توقف نشاط العديد من شركات الإنتاج عن نشاطها بسبب مستحقاتهم المتأخرة لدى الفضائيات ، أمثال شركات المنتجين محمد فوزى وعصام شعبان وصفوت غطاس والجابرى وغيرهم.
من أوصل الحال إلى هذا الوضع السيئ؟، بالتأكيد الإدارة الخاطئة للمنظومة التليفزيونية والدرامية عبر المواسم الماضية، فالنجوم ظلوا يتنافسون على الأعلى أجرا، وكأنهم فى مزاد علنى كل منهم يريد أن يقول أنا الأول والأعلى أجرا سواء من النجوم أو النجمات.
بعض المنتجين الذين أغلقوا شركاتهم الآن كانوا بالفعل صيدا جيدا لتنافس الممثلين، لذلك تنافسوا على الفرس الخاسر، دفعوا أجورا مبالغ فيها حتى يستمر فقط على الساحة ثم أدركوا أن العملية أصبحت خسرانة، فالصادر على العمل أصبح أقل من الإيراد الآتى من الفضائيات.
أتدركون أن عددا كبيرا من نجوم الدراما التليفزيونية الحقيقيين الذين قدموا عشرات المسلسلات، والتى شكلت وجدان الهوية المصرية والعربية وناقشت مشكلاتنا ، خلال فترات متفرقة من الزمن فى الثمانينيات والتسعينيات وما بعدهما، يتعجبون ويندهشون من أجور النجوم الآن، بل أن أحدهم أصيب بصدمة جعلته غير قادر على العمل.
الآن جاءت شركة إعلام المصريين بأيادى وعقول على قدر كبير من الخبرة العالمية فى الإنتاج التليفزيونى فى مقدمتهم تامر مرسى الذى ظل واقفا متصديا لانهيار الصناعة ضد الدراما التركية والإيرانية والمكسيكية عبر سنوات طويلة ماضية، كان يخوض الموسم الواحد بالعديد من المسلسلات التى يعمل فيها المئات بل الآلاف خلف الكاميرات وأمامها، وعندما شعر بالخطر الآن سعى لتنظيم العملية الإنتاجية، ومواجهة التحديات والأجور المبالغ فيها التى هدمت الدراما وأجلست كثيرين فى منازلهم، ولكن سرعان ما جلس كثيرون من المنظرين والباكين على اللبن المسكوب دون أن يتفهموا من تسبب فيه، وظلوا يتحدثون عن الاحتكار، ويرددون شعارات كاذبة فهؤلاء الذين يقولون ما لا يفقهون، وينتقدون دون فهم أو وعى، أيها "الفتايون" والمنظرون كفاكم شعارات كاذبة حتى يرحمنا ويرحمكم الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة