سبق أن كتبت الأسبوع الماضى مقالا تحت عنوان: «تنمية الصحراء الغربية الطريق الأفضل لمكافحة الإرهاب» وتناولنا فيه: «كان الرئيس عبدالفتاح السيسى ذا رؤية ثاقبة حينما أصدر توجيهاته بتنمية الصحراء الغربية، لأنها على حد وصف العالم الجيولوجى الراحل الدكتور رشدى سعيد «تعد الامتداد الطبيعى لمصر المستقبل»، ولا يوجد لدينا سلاح حقيقى لخنق الجماعات المسلحة الإرهابية سوى تنمية الصحراء الغربية، حتى لا يحولها هؤلاء الإرهابيين إلى جبهة ثانية لاستنزاف مصر، على غرار ما يفعله الإرهابيون فى سيناء».
وتطرقنا إلى كيف تشكل الصحراء الغربية، ثلثى مساحة مصر، منطقة الصحراء الغربية قاحلة وغير مأهولة بالسكان باستثناء سلسلة من الواحات التى تمتد فى قوس فى الجنوب.. ومنها واحة سيوة، وقد كانت الصحراء الغربية مسرحا للصراعات فى العصر الحديث، ولا سيما خلال الحرب العالمية الثانية، ويقع منها فى الجزء الشرقى الوادى الجديد، والمنيا وبنى سويف والفيوم، وطرحنا كل الفرص لتعمير وزراعة حوالى مليون ونصف المليون فدان وتوفر المياه الجوفية لذلك الأمر الذى يسمح بتوطين أربعة ملايين مواطن، كما أوضحنا بالدراسات الثروات المعدنية، والآثار الممتدة من العصر الفرعونى إلى الإسلامى مرورا باليونانى والرومانى والقبطى، والطاقة الشمسية وغيرها من المحميات الطبيعية.
وليس غريبا أن تكون الصحراء الغربية تحمل أبعادا استراتيجية مهمة جدا ومنفذا للغزو لمصر على مر الزمان من الإسكندر الأكبر وحتى هجمات الإرهابيين مرورا بالحرب العالمية الثانية ومحاولات روميل غزو مصر عن طريقها، ومن ثم كانت تلك الصحراء هى المنفذ المصرى الليبى فى كفاح عمر المختار ورفاقة ضد الاستعمار الإيطالى لليبيا.
وكانت إيطاليا قد عرضت على عمر المختار، وإذا ما أراد البقاء فى مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئًا ويقطع علاقته بإدريس السنوسى، وفى هذه الحالة تتعهد حكومة روما بأن توفر له راتبًا ضخمًا يمكنهّ من حياة رغدة، وهى على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شىء بدون ضجيج تطمينًا لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الأهالى بالإقلاع عن فكرة القيام فى وجه إيطاليا.
وقد كرر الإيطاليون عرضهم على عمر المختار عدَّة مرّات حتى بعد خروجه من مصر وعودته إلى برقة، لكنه كان يرفض فى كل مرة ويُصرّ على الجهاد وقتال المحتل الأجنبى.
كان المختار قد اتفق مع الأمير إدريس أثناء وجوده فى مصر على تفاصيل الخطة التى يجب أن يتبعها المجاهدون فى قتالهم الطليان على أساس تشكيل المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الأدوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه، وزوده الأمير بكتاب يتضمَّن هذا المعنى، وتمَّ الاتفاق على بقاء الأمير فى مصر ليقود العمل السياسى، ويهتم بأمر المهاجرين ويتفق مع الحكومة المصريَّة بالضغط على الإدارة البريطانيَّة بالسماح للمجاهدين بالالتجاء إلى مصر، ويشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الإرشادات والتعليمات اللازمة إلى عمر المختار فى الجبل، واتُفق على أن يكون الحاج التواتى البرعصى حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار القاهرة إلى السلّوم فبرقة.
كل ذلك دار بذاكرتى وأنا أتوقف أمام الصحراء الغربية من جهة وليبيا من جهة أخرى.
تلك المناطق التى تشكل خط السير الذى كانت مصر ترسل من خلاله المساعدات والسلاح إلى عمر المختار وهو نفس الطريق الذى كان يريد منة القائد الألمانى النازى روميل الولوج إلى مصر قبل أن يهزمة قائد الحلفاء مونتجمرى، وقادنى هذا الطريق وإيطاليا إلى باليرمو والمؤتمر الدولى الذى حضره الرئيس السيسى.
ووفق ما قاله السفير بسام راضى، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، فإن اللقاء شهد استعراضا لعدد من الملفات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تطرق الجانبان لعدد من الملفات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
ومن جانبه، أعرب الرئيس السيسى عن ترحيبة بلقاء رئيس الوزراء الإيطالى، مشيرا إلى ما تشهده العلاقات بين البلدين من تطورات إيجابية خلال الفترة الأخيرة، ومؤكدا على الأهمية التى توليها مصر لتلك العلاقات.
وأضاف الرئيس السيسى على ثوابت الموقف المصرى القائم على ضرورة التوصل لتسوية سياسية شاملة فى ليبيا بدعم من الأمم المتحدة، يكون قوامها تنفيذ الاتفاق السياسى الليبى، بالشكل الذى يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية ويُساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية فيها، وعلى رأسها الجيش الوطنى والبرلمان والحكومة، ويتيح الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات فى ليبيا، بما يمكننا من طى هذه الصفحة وتحقيق مصالح الشعب الليبى فى عودة الاستقرار والأمن.
حول أهمية وخطورة الصحراء الغربية على الأمن القومى المصرى، قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إن الصحراء الغربية قد تكون «جبهة جديدة» تحارب فيها مصر الإرهاب، وذلك بسبب تضاريسها الوعرة، وأوضح تقرير للصحيفة، أن الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمى داعش والقاعدة تستخدم الصحراء ملاذا ونقطة عبور لتهريب المقاتلين والأسلحة والسلع غير المشروعة من ليبيا.
وقال خالد عكاشة، خبير أمنى مصرى وعضو فى مجلس حكومى لمكافحة الإرهاب والتطرف: «جغرافية الصحراء تعتبر مكانا استراتيجيا للإرهابيين والمتطرفين، وتابع: «وجود الكهوف والتلال يسهل عليهم الهجوم والاختباء.. العاصمة القاهرة لا تبعد سوى ساعة عن هذه الصحراء، مما يعنى أن المتطرفين يمكنهم تنفيذ هجمات فى الكثير من الأماكن القريبة، ويقول محللون إن هذه الصحراء ستكون ملجأ المقاتلين المتطرفين العائدين من سوريا والعراق، كما ذكروا أن المقاتلين فى الصحراء «ربما يمثلون تهديدا أكبر للبلاد مقارنة مع تهديد المقاتلين فى سيناء.
وكشفت «واشنطن بوست» أن انعدام الاستقرار فى ليبيا يجعل المسلحين يعززون وجودهم على طول الحدود، ويتحركون بكل أريحية، وذلك بمساعدة القبائل المتعاطفة معهم.
هكذا تبدو الأهمية الكبرى لضرورة تنمية الصحراء الغربية، وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى الليبية كجزء لا يتجزأ من الحفاظ على الأمن القومى المصرى.