يحتفل العالم العربى، اليوم، بعيد ميلاد جارة القمر فيروز التى ولدت فى 21 نوفمبر 1935، وظلت طوال وجودها الفنى رمزا للإبداع أحبها عامة الناس والمثقفون، وهنا نتذكر معًا زيارة الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور إلى بيتها فما الذى قاله عنها؟.
صلاح عبد الصبور يحب "فيروز" وكتب عنها فى مقاله له نشرها فى روز اليوسف عام 1960 بعد أن زار فيروز فى بيتها، حيث جاء ليسمعها فى دمشق لكن الطائرة تأخرت وحرمته من صوتها، فقرر السفر إليها بصحبة صلاح جاهين والنائب اللبنانى أمين الحافظ وزوجته ليلى عسيران.
قال صلاح عبد الصبور "أنا من عشاق فيروز، إن صوتها من أخصب الأصوات، ميزته أنك حين تسمعه تحس أن كل كلمة من كلمات الأغنية التى تغنيها تحمل معانيها كاملة.
وحين كانت الطائرة تحلق بى متجهة إلى دمشق كنت أستعجل الزمن لأنى كنت أعلم أن فيروز ستغنى لآخر ليلة على مسرح معرض دمشق، لكن تأخرت طائرتى فى الوصول فطارت فيروز إلى لبنان.
وفى المساء كان الزميل صلاح جاهين والنائب اللبنانى أمين الحافظ وزوجته ليلى عسيران وأنا في الطريق إلى بيت فيروز فى بكفيا.
بعد ساعة من رعب الطريق المنحدر الذى يخلع القلب وقفنا أمام بيت فيروز، واستقبلنا الأخوان منصور وعاصى الرحبانى، وصافحتنا فيروز وهى تتمتم.
إن فيروز ليست جميلة، إن جسمها صغير نحيل مثل جسم نجاة الصغيرة لكن وجه نجاة أجمل، فعيناها حلوتان هادئتان، وعين فيروز قاسيتان كأنهما محلقتان دائما وأنفها معكوف ووجهها شاحب لكن الفن وحده جمال ليس بعده جمال.
قلت لفيروز: لقد كنت أتمتم طول الطريق بقصيدة شوقى (وأغن أكحل من مها بكفيه) قالت فيروز باستغراب: شوقى؟ ونظرت إلى عاصى الرحبانى الذى بادرها قائلا: أيوة شوقى لقد كان يعشق لبنان ويزورها كل عام، وقامت فيروز تحتفى بالضيوف بيدها ترص الأطباق والشوك لكن لا تجلس على المائدة.
ثلاث ساعات فى بيت فيروز وهى لم تنطق إلا بثلاث كلمات ونحن جميعا أنا وصلاح والإخوان رحبانى نتحدث عن الموسيقى والغناء ونتناقش فى موسيقى عبد الوهاب وسيد درويش وصوت وديع الصافى وصوت عبد الحليم حافظ.. وهى لا تتكلم خرجنا إلى الطريق وصورة فيروز فى وجدانى شاحبة، وكان الأفضل لى ولخيالى أن أظل أحس بها نغما طائرا، وأن اتخيلها حديثا عذبا وظلا رقيقا.
عدت وسألت نفسى لماذا لا نكتفى من الفنان بفنه فقط ونحاول أن نستمتع بشخصيته أيضا، وهل لابد أن يكون الشاعر العظيم متحدثا عظيما؟ أن الفنان الكبير يشق طريقه فى الحياة بفنه فلماذا نطالبه أيضا أن يشق طريقه بخفة ظله وجمال وقع شخصيته على النفس كنت عندئذ أفكر فى عبد الوهاب الذى لا يشبع الإنسان من حديثه وأن كلثوم التى كانت شخصيتها سياج فنها المعجز.
وأنصاف الفنانين وأرباعهم هؤلاء المتسكعين على طريق الفن الذين تستهويك شخصياتهم وما فيها من بريق ويعيشون حياة فنية يتحدثون ويناقشون وينقدون ويسهرون حتى الصباح وكل شىء فيهم باهر إلا قطرات ضئيلة من الفن.
صور مختلفة لفنانين وانصاف فنانين تختلف شخصياتهم وكلهم يدفعونك إلى التساؤل: أيهما أجمل الإنسان أم الفنان ؟ وأنا أميل إلى الإنسان.
خفت أن أكون قد ظلمت فيروز وملت على صلاح جاهين نسأله: ما رأيك فى شخصية فيروز؟ فقال: والله ما أنا عارف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة