لم ولن تمر احتفالية المولد النبوى الشريف بحضور الرئيس مرور الكرام على اللئام، إلا واستخرجوا منها توهمات عن تعكر صفو العلاقة بين الرئيس والإمام الأكبر، ولكن الطيبين يعرفون جيداً أن الرئيس يقدر الإمام حق قدره ويُنزله منزلة طيبة، والإمام يعرف حدب الرئيس على الأزهر، يتمنى أن يرى المشيخة منارة تضرب مثالا تجديديا وتنويريا فى العالمين.
ما يطلبه الرئيس من الإمام الأكبر وعلماء الأزهر علانية هو التجديد الدينى، يقول الرئيس: «المشكلة الموجودة الآن هى القراءة الخاطئة لأصول ديننا، إحنا رايحين فى اتجاه بعيد أوى وأرجو إن إنتوا تنتبهوا».. ويرى الرئيس أن علماء الأزهر وإمامه «الطيب» منوط بهم حمل رسالة التجديد إلى العالم، وأن تجديد الخطاب الدينى مؤتمن عليه علماء الأزهر الشريف، يحملهم الأمانة كاملة غير منقوصة: «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وتأتى فى مقدمة تلك المسؤوليات أمانة الكلمة، وواجب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة ديننا السمح، وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل، بالحجة والبرهان».
والإمام الطيب يدرك جيداً أن الأمانة ثقيلة، وأن التجديد مستوجب فى باب الاجتهاد ، وأن المؤسسة العريقة ماضية إلى عصر التنوير، لكن يلزم وقتاً، ويتطلب فكراً واجتهاداً مخلصاً لوجه الله، فى ظل تكالب الأكلة على قصعة الأزهر الشريف، التى صارت نهباً مستباحاً لجماعات ما فتئت تكيل للأزهر بالصاع، فتعطل المسير.
الإمام بطبيعته الشخصية محافظ، يفضل التغيير المتدرج الذى ربما لا يواكب تطلعات الرئيس المؤرق من تشوه صورة الإسلام والمسلمين: «أتكلم كإنسان مسلم وليس كحاكم، ألا تروا كيف ينظر العالم إلى الإسلام والمسلمين؟ يا ترى سمعة المسلمين إيه فى العالم؟».
بينهما، بين الرئيس والإمام فارق سرعات، ولكن الإمام بالضرورة على الطريق، ليس تنفيذاً لرغبات رئاسية وأشواق طالما تطلع إليها المُجدِّدون، ولكن لأنه الحق، مرت على الأزهر قرون وعقود رسَّخت اجتهادات، وألقت ما يشبه القداسة على تفسيرات، وصار الاقتراب منها باجتهاد أقرب إلى المحرمات، والدخول عليها يحتاج إلى قدر من الحيطة والحذر حتى لا تكون فتنة بين الناس.
الإمام باناة ذهب إلى تنقية المناهج الأزهرية عبر لجان فقهية معتبرة، وهو ذاهب لما هو صعيب، تنقية التراث الإسلامى وتجلية أفكاره العظيمة من موروثات جاوزها الزمن، دون المساس بالثابت والمعلوم من الدين بالضرورة، بفهم واعٍ للمطلوب فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر الأزهر الشريف، فى ظل هجمة عقور استهدفت الإمامة والمشيخة، المبنى والمعنى، واختراقات بلغت مسَّ العظام، وصارت المشيخة فى مهب ريح صرصر عاتية، وتكالب عليها نفر من المُعمَّمين المتأخونين المنتسبين للأزهر الشريف، يُكنون للأزهر شراً مستطيراً، عمدوا وعملوا على حرف الأزهر عن رسالته، وتشهيلها لصالح جماعة ما فتئت تكيد للأزهر كيداً.
التجديد المتدرج المحسوب الذى ينتهجه الإمام الأكبر، ربما لا يلبى طموحات الرئيس الذى يطلبها صراحة من الإمام، «ودى رابع أو خامس مرة أتكلم فيه معاكم جميعًا» ويُشهد الله والناس عليه، « فارق السرعات» هو ما يشى بالاختلاف، ولكنه لا يُنبئ عن خلاف ، أو هكذا أظن.
ما بين الرئيس والإمام تقدير مستحق واحترام، ولا ينسى منصف موقف الإمام الأكبر من ثورة 30 يونيو، ووقفة المؤسسة الأزهرية، ممثلة فى إمامها «الطيب»، على منصة 3 يوليو، ووقوفها تالياً أمام هجمة الإخوان والتابعين على ما يصدر عن الدولة من قرارات يُكفِّرونها تكفيرا ويصِمونها بما ليس فيها، فضلاً عما لحق بالمشيخة وشيخها من أذى بلغ حد وصف علمائها بـ«فقهاء السلطان» من قِبَل «فقهاء الجماعة» المُموَّلين قطرياً.
الإمام الأكبر كمَن يخطو فى حقل ألغام مُفخَّخة زرعها الإخوان والسلفيون فى عقول العامة، وفى مواجهة مطالب تجديد مستوجبة، والإمام بطبعه ليس ثورياً، والأزهر لا يحتمل ثورة، يفضلها إصلاحاً متدرجاً وعلى عين أئمته وعلمائه، وهذا ما لا يرضى عنه البعض، ولا يهضمه البعض، كيف يغير مَن تربى على ما يجب تغييره، هذه هى المعضلة!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة