محمد الدسوقى رشدى

يا فضيلة الإمام.. ليست معركة إنكار السنة لكنها حرب إنقاذ الإسلام من لصوص التأويل والتفسير

الخميس، 22 نوفمبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- كلمة الرئيس الأخيرة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات واستعادة السنة النبوية من محتكرى تفسيرها لخدمة التيارات المتطرفة

- شيوخ التطرف اختطفوا السنة من الأزهر ومنحوا أحدهم لقب أعلم أهل الأرض فى علم الحديث بينما المشيخة مشغولة بمعارك مصطنعه مع القرآنين

ليست فتنة ولن تكون، هى لعبة يدفن فى باطنها من وضع أساسها الخبيث، لا الرئيس فى معركة مع شيخ الأزهر، ولا فضيلة الإمام الأكبر فى حرب مع رئيس الجمهورية، كلاهما يتكلم بلغة منصبه، وكلاهما يصبو نحو هدف واحد هو إنقاذ مصر من ضباب التطرف ومن خوض معارك لإهدار وقت الوطن. 
 
الأول- أى الرئيس- يجدد طرحه عن تجديد الخطاب الدينى بصفته المسؤول الأول فى الدولة المصرية، طرح يشمل وجهات نظر سياسية وفكرية، ومؤسس فى كل مرة تكلم فيها عن تجديد الخطاب الدينى على إسناد الأمر إلى أهله فى المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية المختلفة. 
 
الثانى- أى شيخ الأزهر- يناقش طرح تجديد الخطاب الدينى بصفته الرجل الأول فى أهم وأعرق مؤسسة دينية فى مصر والعالم الإسلامى، يناقش الأمر بشكل شامل من جوانبه الفقهية والبحثية والشرعية والمجتمعية.
 
لذا يبدو طبيعيا ومنطقيا أن تختلف طريقة الرئيس فى طرحه الخاص بالخطاب الدينى والشؤون الدينية عن طريقة فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، وهو اختلاف راجع إلى طبيعة مكان ومكانة كل منهما وليس ناتجا عن صراع أو خلاف كما يسعى البعض للترويج بهدف إيهام العالم بأن فتنة تشتعل فى القاهرة بين مؤسسة الرئاسة والأزهر، وهى محاولة من أخبث ما يكون للإضرار بصورة مصر وتشويه صورة العلاقة بين المؤسسات المختلفة فى داخلها. 
 
الواقع يقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ اللحظة الأولى التى تكلم فيها عن تجديد الخطاب الدينى، لم يكن عدائيا ضد المؤسسات الدينية ولم يبدُ فى طرحه ملامح هجوم أو نزاع مع الأزهر أو شيخه، بل على العكس تماما كان الرئيس حريصا على إيضاح ثقته فى المؤسسات الدينية وإسناد الأمر إلى أهله، واصفا رجال الأزهر بأنهم «كتائب النور»، بل وترجم حرصه وثقته فى هذه المؤسسة وشيخها بفتح الباب أمام إعادة تأهيل الأئمة، ورفع رواتب الأئمة والوعاظ لأول مرة منذ فترة طويلة.
 
ولكنهم أهل الخبث كلما فتح الرئيس ملف تجديد الخطاب الدينى موصيا الأزهر وباقى المؤسسات بالتحرك وعدم البطء، تلاعبوا فى تصريحاته وتصريحات شيخ الأزهر لتقديم الأمر فى صورة نزاع وخلاف، رغم أنه لم يحدث لا فى احتفال المولد النبوى الأخير ولا فى المرات السابقة، تكلم الرئيس عن الطلاق الشفوى ودعا الأزهر لبحث الأمر، وهو فى تلك النقطة لم يتعد على اختصاص الأزهر ولم يتحدث كفقيه أو صاحب فتوى، فقط أطلق دعوة لدراسة قضية اجتماعية خطيرة، بدليل أنه مع ظهور بعض الاعتراضات الفقهية من شيوخ الأزهر وأهل القانون لم نر الرئيس متمسكا ولا متعصبا لرأيه، نفس الأمر حدث فى الاحتفال بالمولد النبوى الأخير، لم ينكر الرئيس السنة ولم يطلب من الأزهر إنكارها، هو تحدث بوضوح عن قضايا أخرى أهم وأكثر تعقيدا وتؤثر بشكل مباشر فى دعم التطرف والترويج لأفكاره.
 
تحدث الرئيس بلسان أهل السياسة الذين يؤدون مهمتهم فى طرح الفكرة وإبداء وجه الخطورة، وجاء رد شيخ الأزهر بلسان أهل الفقه والشرع الذين يؤدون مهمتهم فى التنفيد والبحث والدراسة وإيضاح المصطلحات، وكل شىء هنا يبدو منطقيا ولكن النفوس العكرة دوما تهوى الاصطياد فى ماء المفاهيم والمصطلحات الملتبسة وتهوى إلقاء أحجارها لتعكير صفو ماء العلاقة بين المؤسسات المختلفة.
 
تبدو الأمور واضحة فى أجندة الرئيس، بعض الأولويات لا تنسى ولا يدفنها الزمن حتى وإن لم يكتب لها السير فى خطها المنتظم أو تحقيق هدفها الأكبر.. الرئيس لا ينسى وتلك ميزة كبرى، خاصة إذا تعلق الأمر بملف مهم وقضية شائكة مثل تجديد الخطاب الدينى.
 
قبل سنوات من الآن فعلها الرئيس بشجاعة لا يمكن إنكارها وتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى لمواجهة التطرف والإرهاب، والشجاعة هنا محلها أن هذا الملف تحديدا لم يجرؤ أحد من رجال السلطة أو السياسة على طرحه صراحة، بعد سنوات كان أهل النخبة والفكر فى مصر يصرخون بإلحاح على ضرورة فتح هذا الصندوق المغلق.
 
مناقشة دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى وتقويم المتطرف من أفكاره أو نسفها، أمر يستدعى منك تجردا تاما، سواء كنت مع السيسى أو ضده.
بداية هذا التجرد اعتراف بأننا فى مصر عشنا سنوات طويلة ننتظر قرارا حاسما بمد اليد فى تلك البحيرة العكرة التى تملؤها دعوات دينية متطرفة ومتخلفة.
 
دفع مثقفون ومفكرون ورجال دين أثمانا غالية حينما طلبوا ذلك من مبارك، فرد عليهم الرئيس الأسبق بفتح المجال أمام مزيد من الفضائيات للسلفيين والانتشار لشيوخ التيارات المتطرفة، وكثير من التهميش لدور الأزهر والدعاة المعتدلين، ومن بعد مبارك جاء مرسى وإخوانه ووعدوا الناس بتجديد للخطاب الدينى، ولما تجاوب المفكرون ورجال الدين مع دعوتهم اكتشفوا أن الإخوان أرادوا احتكار الدين تحت مظلة تجديد خطابه.
 
ثم جاء السيسى فى وقت ميلاد رغبة مجتمعية بضرورة تجديد الخطاب الدينى لحمايته من الاحتكار أو استغلاله فى السياسة أو استخدامه للتكفير أو تبرير أعمال الذبح والإرهاب، كانت مجرد دعوة تقول بأن الأوان قد حان لفتح باب الاجتهاد والتجديد، دون أن يخص بها أحدا أو يمنحها فرصة لمؤسسة ما لكى تسيطر.
وكعادة أى دعوة يطلقها رأس الدولة، تلقفها مستغلون مثلما تلقفها المخلصون، المخلصون انطلقوا فى هدوء لطرح أطروحاتهم الدينية ومشاكلهم مع الخطاب السلفى والداعشى وبعض أزمات كتب التراث، وأصحاب المصالح انطلقوا فى شتات بلا قيود، بلا منهج، يسفهون ويعلون من سقف انتقاداتهم للدين، لا لرجاله المتطرفين، بالشتائم والسخرية ظنا منهم أن ذبح الماضى سيكون قربانا للتقرب من السلطة.
 
هؤلاء تحديدا انطلقوا فى الفضائيات واستخدموا ألفاظ هتك العرض والحرق، لوصف كتب التراث والأئمة الأربعة، فى قضية أصلها كان الدعوة لتجديد الخطاب الدينى ونقله من مرحلة الإقصاء والتطرف السلفى إلى مرحلة الموعظة الحسنة ومواجهة الفكرة بالفكرة لا بالسيف أو السخرية، وجلب ذلك عليهم تململا شعبيا وغضبا مجتمعيا، لأن شعورا تسرب للناس بأن الذين تصدوا لمعركة التنوير شتامون أكثر من كونهم مفكرين.
 
بعضهم فى الفترة الماضية أراد أن يحاكم الرئيس ويحاسبه على دعوته التى طالما انتظروا معنا قبل 25 يناير أن نسمع مثلها ولم يحدث، والكل يعلم فى ظل حالة الشراهة للشهرة، وفى ظل حالة الارتباك الأزهرى، وفى ظل غياب منهج واضح فى هذا الملف داخل وزارة الأوقاف أن الخطاب الدينى لن يتم إصلاحه فى يوم وليلة، والكل يعلم أيضا أن المؤسسات الدينية والثقافية وأهل النخبة خذلوا الرئيس فى دعوته التى ألقاها بين أيديهم ليمارس أهل الاختصاص عملهم بحرية، لذا وجب الآن استغلال عودة الرئيس لطرح ملف تجديد الخطاب الدينى لتصحيح مسار الدعوة الرئاسية الأولى بخلق أرضية قوية لبناء هيكل قوى ومنظم لتجديد الخطاب الدينى يقطع الطريق على مجموعة المنتفعين، والمستغلين، وأصحاب الهوى والغرض، والغرض، كما تعلمون، مرض، وكل مرض وله دواء، ودواء الغرض أن تغلق الأبواب فى وجه أصحابه، وتمنح مساحات البراح للمخلصين.
 
هذه الحالة المرتبكة تحتاج إلى دقة أكبر فى ضبط المصطلحات، كنا ومازلنا الأشد احتياجا لمعركة التجديد، العقل ضد النقل، التفكير ضد السمع والطاعة، الاجتهاد ضد الدوران فى فلك عبدة النص، التطهير والتنقيح والتحقيق ضد تقديس أصحاب التفسيرات المكذوبة للسنة النبوية وإنزال منتج هؤلاء الشيوخ منزلة الكتب السماوية، لذا يبدو من الضرورى الآن التأكيد على أن حديث شيخ الأزهر فيما يخص خوض الحرب ضد منكرى السنة، يحتاج إلى إعادة تدقيق وتدبر من فضيلة الإمام نفسه وممن يستخدمون هذه الصيغة، وممن تلاعبوا بالقص واللصق والتأويل فى كلمة الرئيس الأخيرة أثناء الاحتفال بالمولد النبوى، لأن ما ورد فى كلمة الرئيس هو نفسه منهج الأزهر الشريف، الذى يجب أن يرفع راية خوض المعركة ضد لصوص التفسيرات والتأويلات الذين اعتادوا لسنوات طويلة إساءة استغلال السنة النبوية والأحاديث الشريفة عبر إعادة تأويلها وتفسيرها بشكل يخدم أهدافهم وتوجهاتهم المتطرفة.
 
المعركة التى يجب أن نخوضها هى معركة إنقاذ السنة النبوية ممن أساؤوا استغلالها بتفسيرات متطرفة تخدم أفكارهم، هى ليست معركة إنكار سنة بل معركة الحفاظ على السنة، ليست معركة مع القرآنيين بقدر ما هى معركة مع لصوص التيارات المتطرفة الذين اختطفوا السنة والأحاديث لسنوات طويلة من بين أيادى الأزهر نفسه، فأصبح من بين شيوخ التيارات السلفية من هو أعلم أهل الأرض فى علم الحديث يأخذ الناس عنه ويتكلم الناس بأفكاره، بينما رجال المؤسسات الدينية فى مصر يتم دفعهم نحو معارك مع «القرآنيين» أو من سماهم البعض منكرى السنة، بينما السنة النبوية اختطفت فعلا من جانب لصوص التفسيرات والتأويلات دون أن يخوض الأزهر معركته لحمايتها، لذا تبدو كلمات الرئيس الأخيرة التى أعاد فيها ترتيب دفتر الأولويات الخاصة بتجديد الخطاب الدينى فرصة جديدة للأزهر للانطلاق فى الاتجاه الصحيح لمحاربة محتكرى الحديث باسم السنة النبوية داخل التيارات السلفية والتكفيرية المتشددة التى أسست فتاواها المتطرفة والإرهابية على تفسيرات خاطئة للسنة النبوية التى تركها من يقولون إنهم ضد إنكارها فى أيدى لصوص تلاعبوا بها كما يشاؤون.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة