سوف يظل ملف تنظيم داعش واحدا من أكثر الملفات تشابكا وتعقيدا فى العالم الحديث، سواء قيام التنظيم أو التحولات التى أحاطت به، وكلما بدا أن هناك تراجعا للإرهاب وتنظيماته فى سوريا والعراق، ظهرت علامات على أن التنظيم لايزال قادرا على العمل والانتشار وإعادة توزيع فلوله. وتثبت التجربة أن تنظيم داعش ليس تنظيما إرهابيا طبيعيا لكنه نتاج تزاوج أجهزة استخبارات متعددة مع جزء من تنظيم القاعدة، مضافا إليه عدد من القادة العسكريين بالعراق قبل الغزو ممن قدموا خبراتهم العسكرية للتنظيم بمقابل كبير، بعد أن فقدوا وظائفهم عقب القرار الأمريكى بحل حزب البعث والمؤسسات الأمنية والاستخبارية العراقية، وشكل هؤلاء بشهادات مسؤولى المخابرات الأمريكية مخزونا من الخبرات، بعد تدريبهم فى أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، حيث تشكل التنظيم وحصل على تمويل كبير من أجهزة متعددة أرادت أن تلعب دورا فى مستقبل العراق.
وتشير التطورات المتوالية على جبهات الصراع فى سوريا والعراق، أن داعش لايزال يحصل على تمويل ضخم من جهات متعددة، خاصة أن التنظيم فقد الكثير من مصادر تمويله الذاتية فى أعقاب تحرير مناطق فى ريف دمشق وحلب ومعسكرات دير الزور، حيث توقعت بعض التحليلات أن يبدأ فلول التنظيم فى الانتقال إلى مناطق أخرى بحثا عن انشطة جديدة، وانتقل بعضهم إلى أفغانستان أو باكستان، وفشل بعضهم فى الانتقال إلى سيناء بسبب إغلاق المجال من قبل القوات المسلحة والشرطة المصرية، التى أحبطت مخططا كان يرمى لإعادة نشر داعش، وقد اعترف الرئيس التركى أردوغان أمام أحد مؤتمرات الحزب بوجود مخطط لنقل فلول داعش إلى مناطق مختلفة منها سيناء. لكن الخطة فشلت.
وكان تنظيم داعش ارتبط من البداية بعلاقات تنسيقية مع أجهزة المخابرات التركية، بل ونشرت روسيا فيديوهات لبلال «ابن أردوغان» وهو ينسق فى تهريب النفط السورى للخارج، ومثل تركيا مولت قطر داعش والنصرة وتنظيمات الإرهاب، وبالإضافة لقطر هناك إشارات لإيران، حيث تستمر التنظيمات فى الحصول على دعم بعد فقدان مصادر الدخل الذاتى ممثلة فى النفط المسروق بالموصل وسوريا، ويشير استمرار تدفق الدعم على داعش إلى وجود أهداف لجهات التمويل، خاصة أن الهزائم التى تلقاها التنظيم يفترض أنها أضعفت قواه.
وبالرغم من إعلان العراق عن إنهاء داعش فى الموصل، يواصل التنظيم عمله فى مناطق مختلفة، بل إنه نجح فى تجنيد جواسيس داخل العراق، حيث أعلن مركز الإعلام الأمنى فى العراق، الأربعاء الماضى، إلقاء القبض على طالب جامعى يعمل لصالح «داعش» فى العاصمة بغداد، حيث كشف جهاز الأمن الوطنى فى بغداد عن علاقة الطالب فى إحدى الجامعات الحكومية بخلايا داعش النائمة، كما اعتقلت الاستخبارات العسكرية العراقية، قبلها بأيام جاسوسا ينتمى لتنظيم «داعش» بقضاء الفلوجة التابع لمحافظة الأنبار. وأن الجاسوس مسؤول عن جمع المعلومات عن القوات الأمنية العراقية والمواطنين، كما قبضت القوات العراقية على 14 عنصرا من تنظيم «داعش» الإرهابى فى ناحية بادوش التابعة لمحافظة نينوى شمالى البلاد.
وهذه العمليات للقبض على جواسيس لـ«داعش» تشير إلى أن التنظيم انتشر داخل مدن ومحافظات العراق، الأمر الذى يكشف عن عمليات تغيير وإعادة توزيع للتنظيم الإرهابى، الأمر الذى يؤكد استمرار وجود علاقات للتنظيم مع أجهزة ودول تستخدم داعش كتنظيم إرهابى معولم، للضغط والتلاعب السياسى بالعراق. ضمن عمليات إعادة إحياء داعش.