وتكمنُ حياةُ الإنسانِ بين "صرختين": صرخةٌ له، وصرخةٌ عليه، فالصرخةُ الأولى "عند ميلاده" ، وكأنها اعتراضٌ على خوض هذه الحياة الفانية وما بعد الصّرخةِ الأولى تبدأُ أيها الإنسان بإعدادِ مقدِّمةٍ (الدنيا) تمهيدًا للظَّفرِ بنتائجَ تُتِيحُ لك الحصول على بطاقة العبور للدرجةِ الأبديّة (الآخرة) ، وعلى حسب درجتك يكون النعيم،أو الشقاء.
وأما الأخرى "فصرخةُ الفقدِ"، أهلُك ،وأقاربُك ،وأحبابُك استهوتهم حرارةُ الفقدِ ؛ فأُثيرت من بين جنباتهم شحنات نفسيّة محفوفة بأنَّات قلب رُسّخت فيه مشاعر الحبِّ والشوق ، وتُرجِمَ ذلك بجرحٍ عميق أصاب وريدَ الرُّوحِ؛ فأحدث نزيفا تتخلّله تلك المشاعر ؛فانبعثت تلك الصرخة من ذلك كلّه مع أنه فقدٌ مُؤَقَّتٌ على أملِ اللقاءِ في الحياةِ البرزخِيّةِ.
وللّه درُّ علي بن أبي طالب _رضي الله عنه- حيث يقول:
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت أنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها
أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها
أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها
ولكي تسعد بين الصرختين وبعدهما ؛ عليك بالالتزام بما أُمرْت به ،والابتعاد عن ما نُهيتَ عنه ،ابتسم ،صافح ،سامح ،اعف ،اصفح ، كن صادقا مع نفسك أولا ثم الآخرين ،كن أمينا ،....
وفي الختام أقول :"وما بينَ حبلٍ سُرِّيٍّ،ومأوي سِرِّي ؛ تكمُنُ الحياةُ الإنسانية ،وما بينهما هو تسويد قلمك في الصفحة الببضاء التي وُلِدْتَ عليها ، وعلى حسب صلاحُ قلمك يكون جزاؤك .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة