كان سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فى زيارة إلى مصر بداية شهر نوفمبر 1971، بدعوة من الرئيس السادات.. كان وقتئذ حاكما لأبوظبى منذ خمس سنوات، وكان يستعد للإعلان عن دولة الإمارات العربية المتحدة وهو رئيسًا لها، وأثناء الزيارة ذهب مانع سعيد العتيبة وزير البترول لزيارة كوكب الشرق أم كلثوم فى فيلتها بحى الزمالك بالقاهرة ليدعوها للمساهمة فى احتفالات عيد الجلوس الخامس للشيخ زايد، والمشاركة فى الإعلان عن الدولة الجديدة «2 ديسمبر 1971»، حسبما يؤكد المثقف الإماراتى محمد المر، رئيس مجلس إدارة «مكتبة محمد بن راشد الوطنية للكتاب «فى حوار أجريته معه ونشرته «اليوم السابع- 7 مايو 2018»، مضيفا: «بعد العودة إلى أبوظبى وجهت لها الدعوة الرسمية التى قبلتها، وقالت إنها ستبدأ موسمها الغنائى لذلك العام من أبوظبى فى آخر نوفمبر 1971».
جاءت زيارة الشيخ زايد للقاهرة، وزيارة «العتيبة» إلى «أم كلثوم» فى سياق سياسى يوضحه «المر»: «كان عام 1971 حافلا بالنشاط السياسى الوطنى والمشاورات المتواصلة بين حكام الإمارات للتعامل مع الانسحاب البريطانى، وإنهاء التعاقدات الاستعمارية القديمة، ورص الصفوف فى كيان وطنى يحفظ للبلاد وحدتها فى وجه التحديات الإقليمية، وتحديات البناء والتنمية، خصوصا أن السيطرة البريطانية أهملت ملفت البنية التحتية إهمالا مريعا، وأسفرت المشاورات عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأثناء ذلك حلت مناسبة العيد الخامس لجلوس سمو الشيخ زايد حاكما لأبوظبى، فرأى المنظمون للاحتفالات بالمناسبتين أن تكون على أعلى مستوى فنى، ولم يكن أحد وقتئذ يحظى بنجومية فنية تفوق نجومية أم كلثوم، لذلك عندما زار الشيخ زايد القاهرة، ذهب العتيبة إليها لدعوتها، ووافقت».
عاد الشيخ زايد إلى «أبوظبى» من القاهرة، ومن هناك أرسل دعوة رسمية إلى «أم كلثوم»، وفقا للكتاب الوثائقى «أم كلثوم فى أبوظبى» الصادرعن «وزارة شؤون الرئاسة»، و«الأرشيف الوطنى» فى الإمارات، وأشرف عليه «محمد المر».. نصت الدعوة: «حضرة السيدة الفاضلة كوكب الشرق أم كلثوم المحترمة.. بعد التحية.. إنه لمن دواعى سرورنا دعوة سيدة الغناء العربى الأولى لزياة أبوظبى للاطلاع على معالمها عن كثب، ومشاهدة ما حققته من إنجازات خلال فترة وجيزة، كما أنه سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نمتع الأذن بسماع الصوت الشجى والنغم الجميل، آملين أن يتاح لكم الوقت للقيام بهذه الزيارة، وذلك بمناسبة العيد الوطنى لبلادنا، متمنين لكم موفور الصحة، سائلين الله أن يوفقكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله.. زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبى».
حطت الطائرة التى تقل أم كلثوم وفرقتها فى «أبوظبى» يوم 26 نوفمبر-مثل هذا اليوم- 1971، ووفقا لـ«المر» فى كتاب «أم كلثوم فى أبوظبى»: «كان فى استقبالها العديد من الشخصيات الإماراتية المهمة وعلى رأسهم وزير البترول الشاعر مانع سعيد العتيبة، وسعيد الدرمكى مدير دائرة التشريفات فى أبوظبى، ونائبه على الشرفا، كما فتحت لها قاعة كبار الزوار، وبعد وصولها وجهت رسالة شكر نشرتها جريدة الاتحاد، قالت فيها: «يسعدنى أن أوجه هذه التحية على صفحات الاتحاد إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبى، وشعبه الكريم وأشكركم على الحفاوة التى قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التى وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية، ويزيد من سعادتى أننى جئت فى مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد، والاستعداد لإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية التى ستضيف إلى الأمة العربية رصيدا جديدا من القوة والدعم».
مضت التجهيزات الفنية للحفلين بهمة وكفاءة يكشف «المر» عنها: «كانت المسارح الموجودة فى مدينة أبوظبى آنذاك هى مسارح دور سينما، وأكبر قاعة سينما لا تتسع لأكثر من مئات عدة من المشاهدين، وعشاق أم كلثوم بالآلاف، لذلك صدرت الأوامر من الشيخ زايد لتقوم وزارة الدفاع بالتنسيق مع بقية الوزارات والدوائر لبناء مسرح مؤقت على أرض النادى الأهلى الذى أصبح فيما بعد نادى الوحدة، وأنجز فى ثلاثة أسابيع، واستوعب نحو 4 آلاف كرسى».. وفى التجهيزات الفنية أيضا ونقلا عن جريدة «الأهرام- القاهرة»، أن القوات المسلحة فى أبوظبى قدمت محولا كهربائيا ضخما سعته 750 كيلووات، لكى يعمل على الفور فى حالة انقطاع الكهرباء عن المسرح». هكذا اكتملت كل الاستعدادات للحفلين، وكان الأول يوم 28 نوفمبر 1971، وفيه وبعد وصول الشيخ زايد غنت قصيدة «أغدًا ألقاك» كلمات الشاعر السودانى «الهادى آدم» وألحان محمد عبدالوهاب، وفى الوصلة الثانية قدمت «الحب كله» كلمات أحمد شفيق كامل وألحان بليغ حمدى، وبعد الحفل أهداها الشيخ زايد عقدا من اللؤلؤ تزينت به فى حفلها الثانى يوم 30 نوفمبر، وغنت فيه «ودارت الأيام» كلمات مأمون الشناوى وألحان محمد عبدالوهاب، و«القلب يعشق كل جميل» كلمات بيرم التونسى وألحان رياض السنباطى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة