مع اندلاع الخراب فى ليبيا، تحت شعار ثورات الربيع العربى، والتى انطلقت فى تونس ثم انتقلت إلى مصر، وسرعان ما تسللت إلى ليبيا، وسوريا واليمن، وجدنا الرئيس الفرنسى الأسبق «نيكولا ساركوزى» يقفز من مقعده حينها قفزة أرشميدس، مرددا، وجدتها وجدتها.. وضالته التى وجدها، هو التدخل فى الشأن الليبى عسكريا والإطاحة بالقذافى ونظامه من المشهد السياسى نهائيا..!!
وتسربت حينها وثائق معظمها تأكد صحتها أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، سارع لأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية والأوربيين جميعا، لتبنى الحملة العسكرية ضد القذافى، لتعويض فشل بلاده المدوى فى أن يكون لها دور مؤثر فى ثورتى الخراب فى تونس ومصر، وللانتقام من القذافى بعد فشل صفقة السلاح معه..!!
الوثائق المسربة تحدثت تفصيليا عن الآلية التى صنع عبرها الفرنسيون المجلس الانتقالى الليبى، ومن بين هذه الوثائق، وثيقة حملت عنوانا «كيف يتكلم المال؟» جاء فيها أنه فى نهاية شهر فبراير عام 2011 بدأ ضباط من الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجى سلسلة لقاءات مع مصطفى عبدالجليل والذى كان يشغل منصب وزير العدل فى نظام القذافى وانشق عنه، والجنرال عبدالفتاح يونس والذى كان يشغل منصب وزير الداخلية وأعلن أيضا انشقاقه عن القذافى، وتم الاتفاق على تشكيل ما يسمى المجلس الانتقالى، وكيفية تأمين المال والإرشاد للمساعدة فى تشكيل المجلس وأن فرنسا ستتبنى الاعتراف به دوليا فور تشكيله.
وحسب الوثيقة، فإن المقابل الذى طرحه ضباط الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجى، من المجلس الانتقالى الليبى، هو الحصول على امتيازات للشركات والمصالح الوطنية الفرنسية فى ليبيا خاصة فى صناعة النفط، ووافق عبدالجليل ويونس على ذلك.
وبعد الاتفاق وتوالى ضربات الناتو وتحديدا فى إبريل 2011 بعث المجلس الانتقالى الليبى رسالة جوهرية إلى الأمير القطرى «حمد بن خليفة» نشرتها حينها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نصها: «وفيما يتعلق باتفاق النفط الموقع مع فرنسا مقابل الاعتراف بمجلسنا فى قمة لندن كممثل شرعى لليبيا فإننا فوضنا الأخ محمود جبريل بتوقيع هذه الاتفاقية بتخصيص 35 فى المئة من إجمالى النفط الليبى الخام لفرنسا مقابل الدعم الكامل والمستمر لمجلسنا».
كما كشفت وثيقة عبارة عن رسالة صارخة بعث بها مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، يحذر من تورط فرنسا فى توريد أسلحة وذخائر، من بينها رشاشات «ايه كيه» للمسلحين الليبيين، وتدريب قوات المتمردين للانتفاض ضد القذافى ونظامه.
وبدأ الاستعمار الفرنسى طمعا فى ثروات الشعب الليبى، بشكل منظم منتصف شهر إبريل عام 2011 عندما كان سلاح الجو الفرنسى بالتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية يجلب الإمدادات الطبية والإنسانية إلى المدن الليبية، فى نفس الوقت كانت تقل هذه الرحلات ممثلين عن كبرى الشركات بالإضافة إلى مسؤولين من المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجى لعقد تأسيس علاقات عمل مع قادة المجلس الانتقالى وكانت الطائرات الأولى تقل مسؤولين تنفيذيين من شركة توتال الفرنسية للنفط وشركة «فينشى» للبناء وشركات الطيران وغيرها من الشركات الكبرى فى مختلف المجالات، لعقد الصفقات والسيطرة على السوق الليبى.
وتؤكد الوثائق أن عراب ثورات الخراب العربى، اليهودى «هنرى ليفى» لعب دورا محوريا فى دعم فرنسا للسيطرة على ليبيا، وتمكن من تشكيل المجلس الانتقالى الليبى، ووقع معهم مذكرة تفاهم تعزز على أرض الواقع حصول الشركات الفرنسية على تقدير خاص فى كل القضايا التجارية، وتشير إحدى الوثائق إلى أن اليهودى «هنرى ليفى» أخبر المسلحين فى ليبيا أن توقيعهم للعقود سيرفع عنهم شبهة العداء لـ«إسرائيل»، وكان رد المجلس الانتقالى حينها وحسب ما جاء فى الوثائق، صادما وغير متوقع، عندما قالوا نصا «نحن نركز تماما على قتال قوات القذافى وأولاده وقد سمحنا للبحرية الإسرائيلية فى بداية الثورة بدخول ميناء طبرق».
وفى سوريا، كانت فرنسا أحد أضلاع المثلث المدمر لدمشق، بجانب أمريكا وبريطانيا، وكان الصراع على أشده لاقتسام الغنائم، فيما بينهم، دون الوضع فى الاعتبار تدمير الأوطان وتشريد الشعوب، الأهم لفرنسا وبريطانيا وأمريكا حصد المغانم، والاستحواذ على الثروات، والضحك على الشعوب بشعارات الحرية والديمقراطية، للتدخل فى الشأن الداخلى للدول..!!
ومن زاوية «النصب على الشعوب العربية» باسم الحرية والديمقراطية، رأينا بأم أعيننا مظاهرات السترات الصفراء المندلعة فى فرنسا حاليا، احتجاجا على سياسات ارتفاع أسعار الوقود، وسياسة الرئيس الفرنسى الحالى إيمانويل ماكرون، الاقتصادية، وتجاوز عدد المتظاهرين فى بعض المناطق 300 ألف مواطن، ومع ذلك وجدنا تدخلا عنيفا من قوات الأمن، وصل للسحل والضرب، واعتقال المئات، ولم نسمع صوتا واحدا من منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية تطالب بضرورة ضبط النفس، وعلى النظام الفرنسى أن يستجيب لطلبات المتظاهرين، مع التلويح بمقاطعة فرنسا، والتدخل العسكرى لحماية مطالب المتظاهرين العزل..!!
لم نسمع صوتا نشازا واحدا يهاجم نظام الرئيس الفرنسى ماكرون، وكأن آلاف المتظاهرين فى الشوارع لا وجود لهم، ولو حدث ذلك فى إحدى العواصم العربية، لكانت الدنيا انقلبت وطالبوا برأس نظام هذه الدولة..!!
والسؤال: هل تجنى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وحلفاؤهم، ثمار ما دمروه فى مصر وليبيا وسوريا واليمن..؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة