وائل السمرى

ومن يجدد الخطاب الدينى إذاً؟

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالأمس تساءلت: هل يصلح رجال الدين فى مهمة تجديد الخطاب الدينى؟ وأجبت بأن هذا أمر محال، تمامًا كاستحالة أن يجرى طبى عملية جراحية لنفسه، فقد تربى رجال الدين الحاليون على آليات معينة، وتشبعوا بثقافة معينة، ثقافة تعلى من قيمة الحفظ، وترفع من شأن ظاهر النص، وغاية الاجتهاد عندهم فى أن يأتى أحد برأى غير مشهور لأحد قدامى الفقهاء ليقرع به حجة أخيه، أو يفصل به فى أمر مستعص، وليس أدل على هذا من تسيد «حفَّاظ» الأحاديث على من دونهم من علماء الإسلام، وأصبح الفقهاء الأصلاء الذين يعرفون أن الفهم هو «الفهم» موضع شبهة.
 
باختصار، غالبية رجال الدين الآن هم فى الحقيقة حراس للخطاب الدينى المتشدد المنغلق الرافض لكل اجتهاد حقيقى، يريدون أن نعود مرة أخرى إلى عصور بائدة ليس بها شىء مما نعيشه الآن، هم تمامًا مثل إخوانهم من رجال الدين الذين حرموا شرب القهوة فى بداية ظهورها، ومثل إخوانهم الذين حرموا استخدام آلات الطباعة، ومثل إخوانهم الذين حرموا شرب المياه من الصنبور، فقد نظروا وتأملوا ولم يجدوا فى القرآن أو السنّة أو مآثر الأئمة الأربعة مطبعة أو قهوة أو صنبور، فحرموها استسهالًا، وحكموا على المجتمعات بالتخلف والرجعية من باب «الاستحراص».
 
نأتى إلى السؤال: من يجدد الخطاب الدينى؟
فى اعتقادى أن الأمر ليس سهلًا كما يظنه البعض وليس مستحيلًا كما يتخيله البعض، وفى اعتقادى أيضًا أن العائق الأكبر فى مسألة تجديد الخطاب الدينى ليست فى «نوعية الخطاب» سواء كان قديمًا أو جديدًا، لكن الأهم من هذا هو مدى تقبل المجتمع له، ولن يتقبل المجتمع الخطاب الدينى المعدل أو حتى مدرسة فقهية جديدة إلا إذا كان لدينا جيش من الباحثين الحقيقيين الذين يتسلحون بالعلم الدينى والعلم الحقيقى، ولهذا دعوت أكثر من مرة إلى أن تتولى وزارة الثقافة هذا الأمر بأن تنشئ مؤسسة دينية تحت اسم «مركز الإمام محمد عبده لتحقيق التراث» ليعمل هذا المركز على إنتاج الأبحاث العلمية التى تحقق فى أمور التراث وتبرز ما بها، وتعيد ترتيب ما انفرط، وتبيد ما تكلس وتحجر، على أن يضم هذا المركز معهدًا أكاديميًا يمنح درجات الماجستير والدكتوراه فى تاريخ الإسلام وعلومه وفلسفته، مركز تتولاه الدولة بالعناية، ووسائل الإعلام بالرعاية، ليصبح كل بحث جديد بمثابة قضية الساعة، يجتمع حوله من يجتمع ويختلف عليه من يختلف، وبالتالى نضمن أن يحصل الجميع على حصته من الفهم والتحليل والنقد والمقارنة، ووقتها، لن نحتاج إلى «تجديد الخطاب الدينى» لأن الشعب كله سيكون قادرًا على حسم اختياراته بنفسه.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة