ثلاث أزمات أصبحت تسيطر على المشهد الإيرانى اليوم، بعد مرور ما يقرب من شهر على سريان حزمة العقوبات الأمريكية الأشد على طهران، بات الداخل الإيرانى يعج بالصراعات الداخلية بين التيارين المتنافسين والتى طفت على السطح مؤخرا وظهرت إلى العلن أكثر من أى وقت مضى، إضافة إلى احتجاجات عمالية على تردى أوضاعها، فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وانشغال حكومة الرئيس حسن روحانى بإبقاء الاتفاق النووى قيد الحياة وتحسسها قنوات مالية مع أوروبا للالتفاف على العقوبات والتقليل من تأثيرها السلبى على البلاد.
برلمان إيران
إحدى هذه الأزمات تقع تحت قبة البرلمان الإيرانى الواقع بميدان بهارستان، فقد أصبحت مخالب المتشددين أكثر حدة، وازدادت شوكتهم، وباتوا يهددون بإقصاء رموز التيار الإصلاحى والمعتدلين وحتى المقربين منهم من الميدان السياسى، وصل بهم الحال لتقديم طلب لرئيس البرلمان لاستجواب رئيس البرلمان نفسه! الأمر الذى سخرت منه صحف إيرانية، ووصفت صحيفة "جهان صنعت" فى عددها الصادر يوم الأربعاء 28 نوفمبر جمع توقيعات استجوابه بـ"البدعة".
والسبب هو دعم لاريجانى مواقف فريق روحانى فى إقرار قانون مكافحة تمويل الإرهاب والانضمام لمعاهدة مجموعة العمل المالى لمكافحة غسيل الأموال FATF والتى يخشى منها التيار المتشدد، وتعلل النواب استجواب لاريجانى كونه أرسل مشروع قانون "لوائح" تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، من دون طرحه أمام جلسة علنية بالبرلمان.
على لاريجاني
وبرز اسم على لاريجانى مؤخرا بين أوساط إصلاحية، وتحدثت تقارير عن وجود احتمالية كى يخلف حسن روحانى فى انتخابات 2021 الرئاسية وأن يكون مرشح هذا التيار القادم، وترأس لاريجانى البرلمان 8 سنوات فى دوراته الـ 8 والـ 9 على التوالى والدورة العاشرة الحالية، وهو شخصية محسوبة على التيار المحافظ المقرب من المعتدلين الذين أصبحوا معروفون بجماعة رفسنجانى المعتدلة.
ليس لاريجانى وحده الذى يقف فى مرمى نيران المتشددين، بل وزير الخارجية محمد جواد ظريف أيضا ووصل بهم الأمر بإلقائه بتهمة "الإفساد فى الأرض" على لسان الإعلامى الإيرانى وحيد يامين بور، فقد وقع 24 نائب بالبرلمان على طلب استجوابه على خلفية تصريحات عن تفشى عمليات غسيل الأموال فى البلاد والتى أثارت الكثير من الجدل منذ مطلع نوفمبر الجارى، اتهم فيها الوزير الإيرانى جهات داخل إيران بالقيام بعمليات غسيل أموال واسعة، وقال ظريف، فى مقابلة مع موقع "خبر أونلاين" على خلفية رفض المتشددين ومجلس صيانة الدستور انضمام إيران إلى(FATF)، أن عمليات غسيل الأموال فى بلاده حقيقة، وأن من يقومون بذلك يحاولون صناعة رأى عام معارض فى الداخل لتشريعات تتعلق بمكافحة هذه الأمور، لضمان مصالح اقتصادية "لأفراد" لم يسمهم.
وزير خارجية ايران
كما قال أن كثيرين يربحون من غسل الأموال، ولديهم قدرة على إنفاق عشرات أو مئات المليارات على الدعاية وإشعال الأجواء فى البلاد، قائلا أن ميزانية وزارة الخارجية 1100 مليار تومان، أقل من ميزانية بعض الأجهزة الثقافية المرتبطة بالأجهزة القوية، ميزانية تجعلها غير قادرة على مجابهة ما ينفقوه هم.وفى منتصف نوفمبر الجارى استدعت لجنة الأمن والسياسة الخارجية فى البرلمان الإيرانى ظريف، لتوجيه بعض الأسئلة حول تلك التصريحات.
وعلقت صحيفة سازندگی (سازندجي)، الإيرانية التى تعد منبرا إعلاميا لحزب كوادر البناء (التيار المعتدل) وقالت فى عددها يوم الأربعاء، 28 نوفمبر، واصفة الاستجواب بسلاح الأصولين فى البرلمان وقالت تحت عنوان حربة الاستجواب "الجناح الأصولى فى البرلمان والذى يعارض إنضمام إيران لـ FATF يسعى هذه الأيام لوضع الشخصيات المؤثرة تحت ضغوط من زاويتين، الأولى يحاول استجواب وزير الخارجية بشأن غسيل الأموال، ومن ناحية أخرى يهدد على لاريجانى الذى يعد أهم داعم للحكومة فى البرلمان بالاستجواب غبر استخدام مادة فى القانون، وتساءلت هل سينجحون فى تحقيق أهدافهم؟.
صحيفة سازندجي
فى غضون ذلك تشير تقارير إلى مواصلة احتجاجات عمالية لعمال قصب السكر فى شركة "هفت تبه" للأسبوع الثالث على التوالى، مطالبين بتقاضى رواتبهم المتأخرة وبإعادة المصنع إلى القطاع العام وبإطلاق متزعّم تحرّكهم، وحذر رئيس القضاء الإيرانى صادق لاريجانى من أن أعداء إيران تسعى إلى استغلال مطالبهم من أجل بلوغ أهدافهم والإخلال بأمن البلاد.
وسط هذه الأزمات والصراع، مازالت تنشغل حكومة روحانى بمساعى تفعيل آلية مالية أوروبية تساعد طهران للالتفاف على العقوبات، وتسمح لشركات أوروبا مواصلة نشاطاتها التجارية مع طهران دون أن تضر بها العقوبات الأمريكية، وخلال اجتماعات بين مسئولى طهران وأوروبا فى بروكسل اليوم الأربعاء، هدد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحى باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% إذا لم تحصل بلاده على المنفعة الاقتصادية من الاتفاق النووى، مؤكدا أن الاتفاق النووى يعتبر اختبارا جاد لتقييم قابلية النظام الداخلى للوكالة للطاقة الذرية للتنفيذ، وكذلك اختبار لاعتبار معاهدة حظر الانتشار النووى.
على خامنئى
فيما تجاهل المرشد الأعلى الأزمات الداخلية وتأثير العقوبات، ودعا المرشد الأعلى على خامنئى، لتعزيز قدرات إيران العسكرية، كى لا يتجرأ العدو حتى على تهديد الشعب الايراني، على حد تعبيره، وخلال استقباله اليوم الاربعاء عددا من قادة القوة البحرية التابعة للجيش الايراني، أكد على ضرورة تعزيز الاستعدادات، وقال خامنئي "عززوا قدرتكم وتأهبكم قدر المستطاع كي لا يتجرأ أعداء إيران حتى على تهديد هذا الشعب العظيم". وأضاف "الجمهورية الإسلامية لا تنوى شن حرب على أحد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة