أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

المواريث فرائض محكمة وإن كره الكارهون!

الخميس، 29 نوفمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد علم الله أزلًا ما يقال فى شأن المواريث الآن؛ فجاءت الآيات الكريمة محكمة لم تترك مجالًا لهذا العبث الذى يطلق عليه بعض المحسوبين على العلم, مع الأسف الشديد، تطورًا فقهيًّا، ولنأخذ منها آية واحدة هى محل هذا اللغط الدائر حول تسوية المرأة بالرجل فى الميراث؛ حيث يقول رب العالمين: «يوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»، فالمولى عز وجل لم يكتفِ بلفظ الوصية التى صُدرت بها الآية، حيث إنه من السهل القول إن الوصية ليست ملزمة؛ فجاءت لام الملكية والاختصاص سابقة للأنصبة «فلهن - فلها - فلأمه»، ومما لا يخفى على طالب علم أن ملك الإنسان لا ينازعه فيه أحد، ولا يحل لغيره إلا بطيب نفس منه؛ لقول الله تعالى: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ»، وقول النبى - صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»، ولم تكتفِ الآية الكريمة بذلك، بل ختمت ذلك كله ببيان نوع الحكم صراحة، فهو «فريضة من الله».
 
ولست أدرى من أين أتى أستاذ الفقه المقارن سعد الدين الهلالى بأن الميراث من الحقوق وليس من الفرائض بعد هذا النص الصريح, على أن تقسيم الأنصبة المذكورة فريضة من الله! إن طلاب العلم يعرفون أن من أسماء علم الميراث «علم الفرائض»، حيث إن أكثر الورثة يرثون بالفرض المقدر، أى النصيب المفروض سواء كان الثلثين أو الثلث أو السدس أو النصف أو الربع أو السدس، فثبوت النصيب «الفرض» الذى هو المقدار، هو من حيث الحكم التكليفى فرض كأركان الإسلام بنص الآية الكريمة، وهو حق للوارث، ولا تعارض فى ذلك. وفى الحالين لا يجوز لغير الوارث التدخل بتغيير النصيب المفروض، ولا منع المستحق من أخذ حقه، فبموت المورث يستحق الوارث نصيبه، ويدخل فى ملكيته على الفور ولا يتوقف حتى على القسمة، إلا أنه يستقر بالقسمة وتسلمه لحقه، وهنا يحق للوارث أن يتنازل عن حقه اختيارًا وطواعية لبعض الورثة أو لجميعهم. والقول بأن حق الوارث فى الميراث يمكن للغير أن يتدخل فيه فيسوى بين المرأة والرجل، أو يجرى تعديلًا على فرض مذكور ويجعله قاعدة من دون الرجوع إلى الوارث، كلام باطل لا يُلتفت إليه، ولا تنتجه قواعد الاجتهاد، ولم يقل به فقيه ولا متفقه فى أى عصر من العصور، ولم نسمع لا فى المواريث ولا فى غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم من حكومات أو علماء أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم.
 
ومما يعلمه طلاب العلم أن التوبة تصح فى حقوق الله دون حقوق العباد، فلا تسقط إلا بإسقاط أصحاب الحقوق لها، فإن كان رب العزة لا يسقط حقوق العباد إلا بقبولهم إسقاطها، فكيف يكون للبشر التدخل فى حقوق الناس التى بيَّنها رب العزة بآيات محكمات؟! وعلى ذلك، فإن ما ذكره الدكتور الهلالى منقوض بأن الديون من حقوق العباد، وردها لأصحابها فريضة من الله، يقول تعالى: «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ»، ولم يقل أحد إن من حق أحد أن يسقط شيئًا من حقوق الدائن بغير رضاه، ولكن يجوز للدائن نفسه أن يسقط ما يشاء من الدين أو حتى كامل الدين عن المدين طواعية واختيارًا.
 
وعند تأمل آيات المواريث الباقية فى سورة النساء، نجد التأكيد بمثل ما ورد فى هذه الآية محل النقاش بعد كل نصيب مفروض، حتى لا يفكر أحد مجرد تفكير أن يتدخل فى قسمة الله عز وجل، وفى ذلك يقول ابن كثير مفسرًا قول الله تعالى: «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»، وقوله: «فريضة من الله»؛ أى هذا الذى ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض، هو فرض من الله حكم به وقضاه، والله عليم حكيم، والحكيم: الذى يضع الأشياء فى محالها، ويعطى كلًّا ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال: «إن الله كان عليمًا حكيمًا»، وهذا الذى ذكره ابن كثير من أن قسمة المواريث فرائض من الله، لم يخالفه فيه أحد من المفسرين أو الفقهاء، فهل تراهم جميعًا غفلوا عما تفتقت عنه أذهان عباقرة العصر؟!
 
ولست أدرى هل المساواة بين الرجال والنساء فى المواريث تختص بحالات أبناء الميت وبناته فقط، أو أنها ستعمم فى المواريث؛ فترث الزوجة مثل الزوج، وترث الجدة مثل الجد، وترث الزوجة مثل ابن الميت، وترث الأم مثل الأب إن كان المال بينهما فقط، أو مثل ابن الميت إن مات شخص وترك ابنًا وأمًّا! إن ذلك تعطيل كامل لنظام المواريث المعمول به منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، وإذا سلمنا جدلًا بالتدخل فى فرائض المواريث، فهل سيتبعه تعديل فى فرائض الإسلام الأخرى، فتُخفف الصلوات وركعاتها، والزكاة وأنصبتها ومقاديرها الواجبة، والحج وزمانه وأركانه، لتناسب هذه الفرائض العصر، وتطور الاجتهاد الفقهى فيه كما يقال؟! وهل يظن دعاة تسوية المرأة بالرجل فى الميراث أنهم ينصفونها إن جعلوا التسوية قاعدة مطردة؟! إنهم يفيدونها فى بعض حالات نقصت فيها عن الرجل، لكنهم يظلمونها أشد الظلم فى حالات كثيرة زادت عنه نصيبًا مفروضًا.
 
وعليه، فإن المواريث من الفرائض من حيث الحكم التكليفى كما ذكرت، والفرائض لا قدرة لأحد مهما كان على التدخل فيها، والأنصبة حقوق لمستحقيها، وليس لأحد غيرهم تعديلها أو إسقاط شىء منها من غير الرجوع إلى كل مستحق.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة