التعايش والحوار مع الاختلاف هو العنوان الأهم لعالم يموج بالتحولات والأفكار والمنافسة، ويحتاج إلى أن يكون المواطنون محليا وعالميا قادرين على استيعاب وتفهم ما يجرى من حولهم والتفاعل معه ومواجهته من دون عزلة أو ذوبان، وهذا هو تحدى الهوية والعولمة ومدى القدرة على الاستفادة من ميزاتها وتلافى عيوبها، ومن هنا تأتى أهمية منتدى شباب العالم، الذى يبدأ اليوم فى شرم الشيخ، ويمثل حلقة من مؤتمرات ومنتديات الشباب التى عقدت على مدى ثلاث سنوات.
بدأت بمؤتمر الشباب الأول الذى تحول إلى مؤتمر ينتقل جغرافيا بين مدن مختلفة، ويمثل مناسبة لحوار ممتد بين الشباب والمسؤولين، وحوار ممتد مع الرئيس، وتقوم الحوارات على طرح الأسئلة، فيما يتعلق بالقضايا المحلية والإقليمية والدولية.
خلال العام الماضى، أصبح هناك منتدى شباب العالم، يمثل حوارا يتجاوز شباب مصر إلى شباب من أنحاء العالم، يتحاورون ويتبادلون وجهات النظر داخل إطار المنتدى، الذى يحصل على قوته وتأثيره من حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى ومشاركته فى كل الحوارات المختلفة والإجابة عن الأسئلة التى يطرحها الشباب.
تنظيم المؤتمر يقوم به شباب يقدمون تجربة فى التنظيم والتجهيز لحدث يتجاوز المحلية إلى العالمية، وهذا النجاح الذى حققه المنتدى جذب له رعاة من البنوك والشركات، عندما تدعم حدثا بهذا التأثير فهى تحصل على عائد من الدعاية محليا وعالميا، فضلا عما يحققه المنتدى من بناء صورة ذهنية لمصر سياحيا وثقافيا، يعود الشباب المشارك من قارات العالم إلى بلادهم وهم يحملون رسائل بما شاهدوه وشاركوا فيه من حوارات، الأمر الذى يمثل خطوة فى حوار ثقافى وتعريف بمصر وعالمها.
مؤتمر ومنتدى الشباب يعتمدان على شباب البرنامج الرئاسى ممن يفترض أنهم يمثلون ناتج سنوات من التدريب والتنظيم بشكل يجعلهم قادرين خلال فترة على نقل خبراتهم إلى غيرهم عبر فعاليات يمكن أن ينظموها، الأمر الذى يمكن أن يكشف عن مدى نجاح البرنامج فى تحقيق أهم أهدافه، وهو خلق صفوف من الشباب تكون قادرة على تجاوز أخطاء المراحل السابقة التى لم تكن تهتم ببناء صفوف متتالية يمكنها حمل المسؤولية.
بالطبع حققت مؤتمرات الشباب المتتالية توسعا جغرافيا بين محافظات مصر شمالا وجنوبا، وتضيف قيمة إقليمية ودولية، ويبقى أن تبدأ ثمار البرنامج الرئاسى، فيما يمكن أن يقدموه لعلاج الخلل فى الإدارة، وتقديم الجديد لتطوير الإدارة والمحليات بناء على ما تعلموه من تدريبات وما كونوه من خبرات متعددة.
وربما يكون اختيار شعار هذا العام محاور السلام والإبداع والتنمية، ويستوحى الشعار الرئيسى من كتاب «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، للمفكر الراحل الدكتور ميلاد حنا، الذى يعالج فيه من منظور ثقافى واسع مكونات الشخصية المصرية وتطورها عبر التاريخ، التحولات التى مرت بها وأدت لتغيير فى اللغة والديانة أكثر من مرة، من الفرعونى للقبطى للإسلامى، ومع هذا احتفظت الشخصية المصرية بعناصر أو أعمدة سبعة تمثل الأساسات التى تقوم عليها الشخصية والتى تختلف بطبيعة التكوين والتوجهات عن كل عنصر فردى فى هذه الخلطة، حيث تقدم شخصية تجربة فريدة فى التسامح والعيش المشترك والتفاعل الحضارى، يمكن أن يمثل نقطة انطلاق للمستقبل فى ظل تحديات تهدد الهوية والتكوين والشكل.
فكرة الأعمدة السبعة اختارها ميلاد حنا، وهو أستاذ هندسة الإنشاءات، ومع هذا يقدم تصورا هندسيا للروح الشعبية، وكيف نجحت فى صهر كل هذا فى شخصية قادرة على التعايش المتفهم ومواجهة تغيرات وتحولات متعددة، والأعمدة السبعة تمثل الانتماء الفرعونى واليونانى والرومانى والقبطى والإسلامى، ثم الأعمدة الجغرافية وهى انتماء مصر العربى، والبحر متوسطى ثم الأفريقى، ومن خلال هذه الخلطة يمكن اكتشاف التباين والتقارب والتعايش والاختلاف والتمايز.
كل هذا يعيدنا إلى فكرة المنتدى والمؤتمر، وإمكانية التوسع فى إضافة شباب جدد إلى كل نسخة، والبحث عن آليات لنقل كل هذا إلى حوار مستمر وحقيقى فى عالم يموج بالتحولات.