- كرهت الآثار فى البداية وعشقتها من أول «حَفرة».. ووقعت فى غرام التمثال والحفائر
- عندما اكتشفنا مقبرة توت عنخ آمون السواق كان هيدوس عيل صغير.. ودقايق وجوز أختى مات.. وبعدها فاروق حسنى دخل الإنعاش
- دخلنا الموميا على جهاز الأشعة الجهاز ولع.. بس مفيش حاجة اسمها لعنة فراعنة
وحده العشق هو الذى يصنع حصنا للحب ويحميه من الملل والروتين ويخلق دوما الشغف الذى يملأ القلوب تجاه المعشوق، فلا تمل ولا تضجر ولا تنزعج، ويبقى قلبك وعقلك وروحك للمعشوق، فيتملك كل جوارحك، ولا يمكن القول بأن هذا النوع من العشق يكون بين الرجال والنساء فقط، فقد يكون للأم أو للوطن أو للمهنة، مثلما كان مع الدكتور زاهى حواس عالم الآثار العالمى، الذى استطاع أن يسجل اسمه فى التاريخ كأحد أكبر علماء الآثار فى العالم، وأن يكون فخرا لكل مصرى يرى صورته وهو بجوار رؤساء العالم ونجومه يجوب بهم المناطق الأثرية ويشرح لهم تاريخ مصر العظيمة فكان التكريم رفيقا له أينما كان، وآخر ما حصل عليه حواس هو جائزة نجمة العطاء الاجتماعى التى منحتها إياه دولة إيطاليا آخر أكتوبر الماضى، بعد سبعة جوائز عالمية حصل عليها من عدة دول أجنبية تكريما لمشواره العظيم فى مجال الآثار. «اليوم السابع» التقت الدكتور زاهى حواس فى مكتبه، وكان لنا معه هذا الحوار الذى تطرقنا من خلاله لحالة العشق التى بينه وبين الآثار، ولحكاياته مع ملوك الفراعنة وحروبه التى خاضها للحفاظ على المناطق الأثرية وغيرها من الموضوعات.
لكل حالة عشق بداية غالبا ما تكون عادية ثم يتحول الأمر، فما هى قصة عشقك للآثار؟
- أنا لم أكن أحب الآثار على الإطلاق، وبمجرد ما عملت فى الهيئة بعد تخرجى فى كلية الآثار مباشرة شعرت بكراهية كبيرة تجاه الهيئة وموظفيها والآثار وكل شىء، فقررت تركها وتقدمت بأوراقى للعمل فى الخارجية المصرية ولم يتم قبولى فعدت للآثار مرغما عليها، وبدأت العمل فى الحفائر، وأثمر عن اكتشاف أثرى وأتذكر وقتها أننى وجدت فى التراب تمثالا فأخرجته وقمت بتنظيفه ونظرت إليه جيدا ثم وقعت فى غرام التمثال والحفائر وكل ما له علاقة بالآثار.
هل انتهت علاقتك الرسمية بالآثار بعد خروجك من الوزارة؟
- بالعكس، هناك علاقات قوية جدا تربطنى بالآثار وبالوزارة، خاصة أن أى وزير تقلد الوزارة من بعدى لا أثر له بعد الخروج من الوزارة، وهذا ما يصنعه الفرق بين من يؤدى وظيفة والعاشق لما يفعله، فمن يؤدى وظيفة يؤديها ويتركها دون أن يترك بصمته، بينما يظل العاشق لمهنته مؤثرا وتاركا خلفه تاريخا طويلا من العمل يحفر اسمه فى المكان من خلاله، وهذا ما حدث معى، فمازالت الصحافة العالمية تبحث عنى ومازال العالم كله يرى صورتى فى أى مكان له علاقة بالآثار المصرية، وهذا كله بسبب العشق، لأن ما يربطنى بالآثار أقوى بكثير من مجرد كونه وظيفة.
الوزير عمله سياسى والباحث عمله أكاديمى والأثرى عمله ميدانى، لكل شخص صفات تؤهله للعمل فى واحد من هذه المجالات، زاهى حواس عمل بالميادين الثلاثة ونجح فيها بنفس الدرجة، فما السر فى ذلك؟
- مبدئيا لم تكن لى صلة بالعمل السياسى رغم أنى كنت وزيرا، وحاولت الابتعاد عن السياسة قدر المستطاع، لأن الآثار تحديدا لا تحتاج إلى وزير، وهذا ما ناديت به منذ زمن، وفضلت أن تبقى مجلس أعلى، لأن الآثار وزارة يتضارب عملها طوال الوقت مع المسؤولين، فالدولة الحديثة مبنية على أنقاض الدولة القديمة التى نحارب نحن لبقائها، ولو تدخلت السياسة فى العمل الأثرى لتدهور وضع الآثار، ولو كنت استسلمت للمنصب لكنت تنازلت على حساب الحضارة، فمثلا أتذكر وقت أن أرادت الدولة مد الطريق الدائرى فى منطقة الأهرامات، وقتها وقفت ورفضت المشروع لحماية حرم الآثار، وحملت كفنى على يدى لمحاربة كل أطراف الدولة فى استكمال المشروع، وبالفعل تم إيقافه، وكذلك عندما قررت الدولة إنشاء الطريق الغربى بجوار معبد أبيدوس ورفضت أيضا وتوقف المشروع، فالآثار تحتاج لمحارب يحميها لا وزير.
لكنك كنت وزيرا للآثار وعملت مع الدولة، فهل اختلفت وقتها علاقتك بالمسؤولين فيما يتعلق بالآثار؟
- إطلاقا، وبالمناسبة طلبت من الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وقتها أن تبقى الآثار «مجلس أعلى» وعندما رفض وقرر أن تبقى وزارة أخبرته أنه لن يجد من يصلح ليكون فى منصب الوزير بعد زاهى حواس، وهذا ما حدث، فبين كل الوزراء الذين تقلدوا منصب وزير الآثار لا يصلح منهم سوى الوزير الحالى خالد عنانى، بينما الباقون غير صالحين تماما، وأحدهم رفض أن يكون مديرا للمتحف المصرى، لكن مجلس الوزراء أصر على أن تبقى الآثار وزارة، فأخبرت الدكتور عصام شرف أننى لن أحضر اجتماعات مجلس الوزراء، وقلت له إنها مملة ولا أفهم منها شيئا، ويظل الوزاء يتحدثون تسع ساعات وأنام خلالها من الملل، فضحك ولم يجب، وطوال عمرى بالآثار لم ألبس كرافتة أو أمشى بحرس وبقيت أعمل كأثرى لا وزير.
هل اختلفت علاقتك بالعاملين بالوزارة بعد الخروج منها؟
- بالأساس لم تربطنى علاقات صداقة أو علاقات قوية مع أحد من المسؤولين بالآثار حتى أثناء عملى وزيرا، ولم أكون صداقات من الوسط الأثرى سوى الدكتور على رضوان، وتلاميذى، وبخلاف ذلك الجميع كان يهاجمنى ويشعر أننى دائما أستحوذ على كل الفرص رغم كل ما فعلته من أجلهم، وبعدما تركت الآثار رسميا، شباب الأثريين هم من التفوا حولى وشعرت بقيمة الحب الذى يشعرون به تجاهى، والآن أنا أعمل معهم فى الحفائر الرسمية وكونت فريقا للحفائر مصريا تماما، وهم مجموعة من الشباب قمت بتدريبهم على أعلى مستوى وهم الآن من أفضل فرق الحفائر فى العالم.
هاجمك كثيرون أثناء عملك بالوزارة والأسباب والاتهامات لا تحصى، كيف كنت تقابل هذا الهجوم؟
- قالوا عنى حرامى وأستغل منصبى للتربح من الجامعات العالمية، وأقاموا الدعاوى القضائية ضدى وأنا اليوم بعد أن زال المنصب أقول لكِ إن كل مليم حصلت عليه فى حياتى هو من عملى البحثى والكتب التى قمت بتأليفها والمحاضرات واللقاءات التليفزيونية التى أجريتها لوسائل الإعلام العالمية وكبرى الجامعات حول العالم، وأؤكد لكِ أن سعر محاضراتى اليوم فى أى مكان تضاعف بعد خروجى من الوزارة، وأنا بلا منصب أستغله كما أن هناك بعض الجامعات تقوم بعمل محاضرات بتذاكر يصل ثمن الواحدة إلى 150 دولارا، وتباع التذاكر بالكامل ويأتى الطلاب من كل أنحاء العالم يدفعون الأموال مقابل الاستماع إلى محاضرتى، فمن يقول إننى أستغل منصبى للتربح أقول له إننى لن أخبره بالمبالغ التى أحصل عليها اليوم من هذه المحاضرات فى جامعات العالم لأنه لن يستوعب الرقم.
لهذه الدرجة تصل شهرتك خارجيا؟
- ولأكثر، فمثلا أمريكا تقيم احتفالا سنويا للمتفوقين فى الثانوية العامة يحضره 150 عالما فى مختلف المجالات، الأجنبى الوحيد من بينهم هو زاهى حواس، ويمكن التأكيد أنه فى أمريكا وأوروبا العالم لا يعرف من المصريين غير عمر الشريف وزاهى حواس ومحمد صلاح.
كل هذا الجهد خارجيا، أين جهدك الداخلى؟
- من قال إنه لا توجد جهود داخلية، أنا أعمل مع الدولة فى أكثر من مجال ومن خلال عدد من الوزارات، فمثلا أقدم محاضرات لطلاب الجامعات بالتعاون مع وزارة التعليم العالى، وهو عمل تطوعى تماما، كذلك صممت برنامجا لتنشيط السياحة بالتعاون مع وزارة السياحة، بالإضافة لاستقبال 150 سائحا أمريكيا شهريا بالتعاون مع مكتب السياحة الذى أعمل من خلاله، يأتون إلى مصر فى زيارات أكون أنا المسؤول عنها، هذا بالإضافة لعملى حاليا مع الأطفال وذوى القدرات الخاصة الذين صممت لهم برنامجا للتعريف بالآثار، كما أنى أعمل بأكثر من منطقة حفائر مع وزارة الآثار ومشتركا فى عدد من لجان الوزارة.
لو اختار زاهى حواس واحدة من ملكات العالم القديم للجلوس بجوارها على العرش، فمن تكون؟
- أنا أعشق ملكة ليست على القدر الكافى من الشهرة وهى اسمها «حتب حرس»، وهى أم الملك خوفو، فهذه السيدة قدمت للعالم رجلا من أعظم وأقوى وأذكى الرجال على مر التاريخ قديما وحديثا، وهنا أستغل الفرصة وأقول لكل من يهاجم دور سيدات الفراعنة ويقول إنهن كن مهمشات بأن عظمة دور المرأة فى مصر الفرعونية كان فى بيتها وأن أهم ما ميز الحضارة الفرعونية هو دور المرأة التى كان كل واجبها هو المنزل وتربية أبنائها، لذا خلقت هذه المرأة حتى وإن لم تصل للحكم رجالا صنعوا حضارة وقادوا العالم، فما كان لملك من ملوك الفراعنة أن يصل لهذه المكانة فى العالم دون سيدة تربى وتصنع، فهى إيزيس التى بكت فصنعت النهر المقدس، وهى من صنعت حورس الذى هزم الشرور، وكان هذا الدور الذى تقوم به المرأة دورا مقدسا ويحترم، وعندما تغير هذا الدور فى مصر لم يعد هناك رجال، فدورها فى البيت هو السبب الرئيسى لتقدم الرجال فى كل المجالات.
وصل الفراعنة لمكانة كبيرة فى مجالات مختلفة منها الفلك والطب وغيرهما، فما هو المنهج الذى اتبعوه لذلك؟
- لم يكن هناك منهج بحثى بالشكل الذى نعرفه اليوم، بل كان إيمانا بالحياة الأخرى والخلود، دفعم للإبداع ووصل بهم إلى هذا التقدم الكبير فى كل المجالات، فاعتقادهم فى البعث والخلود دفعهم لإنشاء الهرم الأكبر، هذه المعجزة التى كانت سببا فى بناء حضارة قديمة عريقة، فأبدعوا من خلالها فى الفلك وفى الطب والتحنيط وفى العمارة والزخرفة وفى الهندسة والإنشاء وفى الفنون والنقش، فصنعوا حضارة كبيرة من خلال إيمانهم بالبعث والخلود، وكان بناء الهرم بمثابة مشروع قومى للدولة يلتف حوله كل مواطن، والجميع مسخر لبنائه عن حب، لذا لا يمكن بناء هرم فى هذا العالم.
لماذا لا يمكن للمصرى المعاصر بناء الهرم؟
- الإبداع عند المصريين وصل لأقل مستوياته، فمنذ ثورة 52 وربط المواطن المصرى بالدولة وظيفيا، واعتماد المصريين على الوظيفة لكسب عيشهم، وبدأ الشغف يقل والطموح يتدهور والعقلية المصرية تحولت لعقلية روتينية غير قابلة لخلق الإبداع، لذا أرى أن النهج الذى تتبعه الدولة المصرية الحالية بوقف التعينات مشروعا كبيرا ومهما رغم قسوته وهجوم البعض عليه، لكنه فى النهاية دعوة للابتكار بعيدا عن قفص الوظيفة، وفرصة لخلق الشغف من جديد فى عقول وقلوب الشباب للبحث عن حلم خاص بهم يبدعون من خلاله.
هل حلمت يوما بأحد من الفراعنة؟
- كثيرا، حلمت أكثر من مرة بالملك خوفو، وتحدثنا عن أسرار الملك وبناء الهرم، وقد يكون السبب فى ذلك هو شغفى وعشقى بفكرة بناء الهرم، فأنا أعشق الهرم الأكبر أكثر من أى شىء فى الحياة، ودائما أبحث فى أسرار بنائه، فأكثر من مرة حلمت بخوفو وتحدثنا عن بناء الأهرامات دون أن يفصح بالكثير من أسراره.
كما أن هناك حلما غريبا حلمت به أكثر من مرة متتالية، وهذا الحلم له قصة، فقد اكتشفنا مقبرة بها ثلاث مومياوات لرجل واثنين من أبنائه بجواره، فاستخرجنا مومياوات الأطفال ووضعناها فى المتحف المصرى، وفى اليوم التالى سافرت أمريكا، وعلى مدار أيام الرحلة يوميا أحلم بأن مومياوات الأطفال تجرى خلفى وتشد رجلى، وأصحو مفزوعا وفى اليوم التالى يراودنى نفس الحلم، وظل الوضع مستمرا حتى عدت إلى مصر وكان أول قرار هو إعادة مومياوات الأطفال إلى المقبرة بجوار والدهما للتخلص من هذا الحلم المريب؟
هل تعتقد أنها لعنة فراعنة؟
- لا أعتقد ذلك، هى مجرد مصادفات، مثلا بعد أن اكتشفنا مقبرة توت عنخ أمون، وبمجرد خروجنا من المقبرة السائق كان سيدهس طفلا بالسيارة، بعدها بدقائق تلقيت اتصالا هاتفيا من أختى تخبرنى أن زوجها مات، وبمجرد أن خرجنا من المنطقة الأثرية تلقيت اتصالا آخر من سكرتير فاروق حسنى يقول لى إن الوزير الفنان يمر بأزمة قلبية وفى الرعاية المركزة، بعدها عملت حديثا تليفزيونيا لليابان عن الاكتشاف فحدثت سيول وأمطار وتوقف الإرسال التليفزيونى، وعندما قررنا عمل سكان للمومياء الخاصة بالملك توت عنخ آمون جهاز الأشعة المقطعية توقف فجأة عن العمل، ورغم كل ذلك حقا لا يوجد ما يسمى لعنة فراعنة.
ما هى أصعب لحظة مرت عليك فى الحياة؟
- جمعتنى بعمر الشريف قصة حب غير عادية بدأت بخلاف عندما كنا نسجل فيلما عن الآثار من بطولته ووقع بيننا خلاف، ومن بعد هذه الوقعة أصبح أعز صديق لى على الإطلاق، وأصعب لحظة مرت على كانت معه بعد أن تملك منه المرض، وفى يوم كنا نتناول العشاء فى مطعم ابنه بالزمالك، وفجأة قال لى «ليا واحد صاحبى واحشنى جدا بس مش فاكره، فسألته عن اسمه فرد «مش فاكر بس هو شغال فى التراب وبيحفر ويطلع حاجات، فسألته من جديد، اسمه زاهى حواس، فأجاب «أيوه هو ده واحشنى جدا»، هنا لم أستطع أن أتملك نفسى وانهرت من البكاء، ولمن لا يعرف عمر الشريف فهو شخصية لن تتكرر ويجب أن نسجل تاريخه للأجيال القادمة، فقد تملكنى الحزن عندما علمت بخبر إنتاج فيلم أجنبى لسيرة حياة عمر الشريف ونحن لم نكرمه حتى دفنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة