يراهن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الحفاظ على الأغلبية الجمهورية خلال انتخابات التجديد النصفى، والمقررة يوم 6 نوفمبر الجارى، وذلك على اعتبار أن الانتصار الانتخابى يمثل فارقة مهمة فى التاريخ الأمريكى باعتباره، فى حالة تحقيق هدفه، سيكون الرئيس الأول منذ عقود الذى يتمكن من الحفاظ على سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية فى آن واحد، خلال مدته الرئاسية بالكامل، إلا أن أهداف ترامب وراء مسعاه الحالى تتجاوز التاريخ، حيث أنه يحاول مواصلة الطريق الذى اتخذه تجاه العديد من القضايا، سواء الدولية أو المتعلقة بالداخل الأمريكى، دون عوائق ربما يضعها أمامه خصومه الديمقراطيين حال فوزهم فى الانتخابات القادمة.
ولعل مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها أوروبا تمثل أولوية كبيرة فى أجندة الرئيس الأمريكى فى مرحلة ما بعد انتخابات التجديد النصفى المقبلة، خاصة وأنها شهدت العديد من التحديات منذ صعود ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير من العام الماضى، بسبب التعريفات الجمركية التى فرضها على حلفاءه الأوروبيين تارة، وتجاهلهم فى العديد من القرارات التى اتخذتها الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها قرار الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى فى مايو الماضى تارة أخرى، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة فى توتر العلاقة بين واشنطن وحلفائها الغربيين.
شعار ترامب.. تقويض الصفقة الأمريكية الأوروبية
تركزت الرؤية الأمريكية، خلال ما يقرب من 22 شهرا تمثل مدة وجود ترامب فى منصبه، على إعادة تشكيل تحالفاته، بحيث تقوم فى الأساس على تحقيق المصالح الاقتصادية الأمريكية كأولوية، بغض النظر عن حلفائه الأوروبيين، وهو ما يتوافق مع الشعار الذى أعلنته حملة ترامب فى الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وهو "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، وبالتالى قامت الإجراءات الأمريكية على سحب بعض المزايا التى منحتها الولايات المتحدة لحلفائها الأوروبيين لعقود طويلة، خاصة فيما يتعلق بالتجارة، والأمن، وهو ما بدا واضحا سواء فى التعريفات الجمركية أو التلويح الأمريكى المتواتر بالانسحاب من الناتو إذا لم تلتزم الدول الأخرى بالوفاء بالتزاماتها المالية تجاه التحالف.
الإجراءات الأمريكية ساهمت بصورة كبيرة فى تقويض صفقة ضمنية عقدها الغرب الأوروبى مع الولايات المتحدة لعقود طويلة من الزمن، تقوم فى الأساس على أن تتولى الولايات المتحدة قيادة ما يسمى بـ"المعسكر الغربى"، مقابل الامتيازات الأمنية والتجارية التى تمنحها واشنطن إلى حلفائها، وبالتالى اضطرت أوروبا مؤخرا إلى التحليق بعيدا عن الفلك الأمريكى فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية، وفى القلب منها الاتفاقية النووية الإيرانية، والتى تمسكت بها دول أوربا جنبا إلى جنب مع حلفاء إيران المشاركين فى الاتفاقية، وهما روسيا والصين.
انتصارات مرحلية.. اليمين يهيمن على القارة العجوز
ولكن بالرغم من فقدان الولايات المتحدة لمكانتها فى أوروبا إلى حد كبير، إذا ما قورنت بعهود سابقة، إلا أن الإدارة الأمريكية نجحت فى فرض رؤيتها على حلفائها المارقين فى القارة العجوز، فأعلنت دول الناتو التزامها بتعهداتها المالية للحلف خوفا من الانسحاب الأمريكى، بينما رفضت الدول الموقعة على الاتفاقية النووية مطالب إيران المتمثلة فى تحدى القرار الأمريكى بالانسحاب من الاتفاقية النووية من خلال الضغط على شركاتها من أجل عدم الانسحاب من السوق الإيرانية، وهو الأمر الذى يمثل انتصارا مرحليا لإدارة ترامب.
لم تتوقف انتصارات ترامب فى القارة العجوز على مجرد نجاحه فى فرض رؤيته المرتبطة بإعادة تشكيل علاقة بلاده مع حلفائها، وإنما امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك عبر إرساء نموذج يبدو ملهما للعديد من دول أوروبا من خلال تبنى خطابا قوميا مناوئا للهجرة، ساهم بصورة كبيرة فى صعود التيارات اليمينية فى الغرب الأوروبى، بل والأكثر من ذلك أنه لعب دورا رئيسيا فى تنحية أبرز خصومه عن المشهد السياسى فى بلدانهم، وإن احتفظوا بمناصبهم، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ولعل القرار الأخير الذى اتخذته ميركل بالتنحى عن رئاسة حزبها يقدم دليلا دامغا على انتصار رؤية ترامب، المناوئة للاتحاد الأوروبى، خاصة وأن مثل هذا القرار يفتح الباب أمام التيارات اليمينية لتوسيع نفوذهم داخل القارة العجوز، وبالتالى تصبح عودة القوى الرئيسية فى القارة الأوروبية، بعد إعادة تشكيلها من الداخل، مجرد مسألة وقت، خاصة مع اقتراب بريطانيا كذلك من الخروج من الكتلة الأوروبية، وهى الخطوة المقررة فى مارس الماضى.
صفقة جديدة.. مرحلة جديدة بعد "التجديد النصفى"
وهنا يصبح احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية فى الكونجرس الأمريكى، خلال انتخابات التجديد النصفى القادمة، يمثل أولوية كبيرة بالنسبة لإدارة ترامب، خاصة مع التعارض الكبير بين الرؤية الدولية للحزب الجمهورى من جانب، والرؤية الأخرى التى يتبناها الديمقراطيين، والتى قامت على دعم قيم الديمقراطية والليبرالية، والتى تمثل أساسا يستند عليه الاتحاد الأوروبى، وكذلك استخدام تلك القيم فى الكثير من الأحيان لتوظيفها فى أغراض سياسية، على غرار ما شهدته حقبة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
وبالتالى فإن فوز الجمهوريين بالانتخابات القادمة سيساهم بصورة كبيرة إطلاق مرحلة جديدة من الدبلوماسية الأمريكية تجاه الحلفاء فى أوروبا، تقوم فى الأساس على التقارب بين الجانبين، وذلك من خلال صفقة جديدة تقوم فى الأساس على الوفاء بالالتزامات والحد من الامتيازات الأمريكية التى منحتها الإدارات السابقة بصورة مجانية، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية فى العلاقة بين الجانبين إلى البعد المصلحى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة