أى محلل أو حتى متابع لخطابات الرئيس المتكررة يدرك تمام الإدراك مركزية فكرة «تجديد الخطاب الدينى» فى عقل الرئيس لدرجة أنه لم يفوت فرصة للحديث عنها إلا وتحدث تماما، كما فعل أمس أثناء حديثه فى منتدى شباب العالم فى نسخته الثانية بشرم الشيخ، وفكرة تجديد الخطاب الدينى تفوق فى أهميتها من وجهة نظرى فكرة تجديد البنية التحتية لمصر، أو تحديث المنظومة الإدارية أو غير ذلك من مشكلات مصر المزمنة، لكنى فى ذات الوقت أدرك تماما أنها فكرة غير هينة، وعلى قدر كبير من الحساسية لدى الجميع، وفى الحقيقة فإننى أدرك الآن والآن فقط أن تجديد الخطاب الدينى لن يأتى عن طريق رجال الدين، ولا حتى عن طريق رجال الفكر، لماذا؟ لأن هذا الخطاب الرجعى الذى يضرب الجميع أخماسا فى أسداس كلما واجهتنا إحدى المشكلات، هو فى الحقيقة متوغل فى عمق أعماق وجدان من نطالبهم بتغييره، كما أن حديث المثقفين عن أهمية تجديد الخطاب الدينى يستقبل كما لو كان حديثا عن العنقاء وأمنا الغولة، فماذا نفعل؟
الحل من وجهة نظرى يكمن فى مشروعين أساسيين سيؤديان فى النهاية إلى تجديد تلقائى وشامل للخطاب الدينى، المشروع الأول هو تحديث العقل المصرى عن طريق تربية المنهج النقدى فى العقول، عن طريق الاعتماد على السؤال والإصرار على الإجابة ثم مقارنة الإجابات ببعضها البعض، عن طريق تعليم قواعد التفكير العلمى وأساسيات المنطق والفلسفة فى مدارسنا منذ المراحل الأولى، فتربية العقل بالنسبة لى مثل تربية المناعة بالنسبة للجسم، فالعقل السليم الصحيح يطرد الأفكار الهدامة من تلقاء نفسه، كما تكسر المناعة القوية هجوم الفيروسات.
المشروع الثانى هو «تجديد الوعى بالدين» وهو من وجهة نظرى أمر فى يد الدولة فحسب، فهى التى تستطيع أن ترسخ فكرة الاحتكام إلى القانون الذى يراعى مصلحة الناس مباشرة وليس عن طريق وسيط، عن طريق الاعتماد على «روح الإيمان» وليس على النصوص المتناقضة أو الأقاويل المختلفة، عن طريق نزع قناع القداسة عما نهى الإسلام عن تقديسه من أشخاص أو أفكار، فلا مقدس إلا الله، والله معنى كامن فى القلوب، ولم يخلقنا الله ليعذبنا فى الدنيا والآخرة، وإنما خلقنا لنعمل ونفرح ونجتهد فتتقدم الأوطان وتتحقق مصالح المواطنين، أما إسلامك أو مسيحيتك أو شعائرك أو مقدساتك أيا كانت ديانتك فهى أمور تخصك وحدك لا تفرضها على غيرك ولا يفرضها غيرك عليك، سواء كان «غيرك» شخصا أو قانونا ولائحة ولا تقليدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة