"قطنت ضفاف دجلة والفرات، وسط وجنوب العراق، ونهر الكارون غرب إيران، جماعة عرقية ودينية تعايشت مع سكان المنطقة بسلام، ولعبت دورا في صناعة القوار، هذه الجماعة تسمى الصابئة المندائيين.
هذا ما يقوله كتاب "الأديان والمذاهب بالعراق.. ماضيها وحاضرها" لـ رشيد الخيون والصادر عن مركز المسبار، والذي يعرض للحياة الدينية فى بلاد الرافدين، ويتوقف في الجزء الأول عند عدد من الديانات منها الصابئة المندانيون.
كتاب الأديان والمذاهب بالعراق.. ماضيها وحاضرها
شائعات تطارد أهل الديانة
اتخذ المندائيون على مدى زمن طويل من الصمت ومن لغتهم المندائية الغامضة على المحيطين بهم من الأديان الأخرى سبيلا إلى البقاء، وقد دارت حولهم شبهات عقائدية كثيرة أقلها أنهم يعبدون الكواكب والنجوم، وأنهم يزهقون أرواح المحتضرين منهم، أو يعبدون كائنا لا وجود له إ لا بأذهان الجاهلين بتفاصيل ديانتهم يدعى (أشميدهية).
بيد أن الحقيقة من شعائرهم تغسيل المحتضر وإكساؤه الكسوة الدينية البيضاء المعروفة بالرستة، اعتقادا منهم أن ذلك يمكن روحه من الصعود إلى مكانها فى (مشوني كسطا) السماوي (أسفل طبقات عالم النور) وهي مطهرة مما علق بها من نجاسات العالم الأرضي.
الصابئة المندائيين
هل هم أصحاب ديانة سماوية؟
بينما يرون هم أنفسهم أنهم أصحاب أقدم ديانة سماوية على وجه الأرض، وإن كتبهم هي صحف سادة البشر الأولين آدم وشيت وإدريس ونوح .
وتقول كتابات الصابئة المندائية إن المعرفة أو العلم الرباني إنما يؤته الله عباده المختارين الصادقين إما وحيا وإما إلهاما أو فيضا سماويا وكشفا وهو التجلي أو بواسطة رسل أثيرين نورانيين.
ولا يهتم المندائيين بالمقابر والأضرحة وهم ينطلقون فى ذلك من تعلقهم بالروحانيانت واحتقارهم للجسد، ورغم أن لديهم مقابر لكنهم يعرفون أنها ليس من تعاليم الدين الأصلية.
ما الذي يقولونه عن آدم؟
واختص الصابئة المندائيون دون غيرهم من الديانات الأخرى بالقول بأكثر من آدم وأكثر من كوكب مأهول بالبشر، فلديهم آدم المخلوق من طين الذي نزل إلى الأرض وآدم آخر "خفي" ولا يؤمنون بأن آدم زوج أبناءه إلى بناته، بل يرون أن البنات قادمات من كوكب آخر أكثر طهارة، ويرون أن حواء أطهر من آدم لأنه من طين وهي من ضلع منه.
الصابئة
البحث عن الكواكب الأخرى
ويرى أصحاب هذه الديانة أننا ذات يوم سوف نصل إلى الكوكب الآحر المأهول بالسكان وسنزل ضيوفا على أخوالنا.
ولدى المندائيين كتب ورسومات أشارت إلى ناقلات الأرواح أو ما عرف بسفن الكواكب ظهرت على صفحاتها رسوم وتخطيطات لأشكال من هذه السفن على هيئات الشمس والقمر والزهرة، ولدى الصابئة سنة شمسية وأعداد شمسية مقدسة، ويدخل قرص الشمس في رسم الحروف الأبجدية.
لا تبدو الشمس عند المندائيين مضيئة، بل تستمد الضوء من أرواح أو كائنات نورانية كونية "تماما كما تعكس المرآة الصورة تعكس الشمس ملكه زيوا وشامس (الشمس) سيد جميع ملائكة الدنيا المادية".
من هو النبي دنانوخت؟
كما يتحدث الصابئة المندائيون عن العروج إلى السماء وهو معراج "دنانوخت/ إدريس إلى السماء السابعة، ويعد إدريس النبي عند المسلمين أحد عظماء المندائيين من النوصرائيين العارفين المتبحرين في الدين، وكان يحفظ عن ظهر قلب الكتب المقدسة، ويحتفظ بها في مكان مقفل كما أنزلت من الحي الأزلي (الله) على آدم أبي البشر، وجد إدريس في يوم من الأيام، كتابا جديدا موضوعا على الكتب الأخرى. إلا أنه مزقه لعدم معرفته بحقيقته، بعدها ظل يجده أمامه أينما ذهب، وفي كل مرة يمزقه ويحرقه، إلا أنه يظهر له كاملا في مكان آخر، فاجتمع النوصرائيون الأربعة والعشرون ـ وتوصلوا إلى أن هذا الكتاب منزل من الله ، ولابد أن يقرأ مثل بقية الكتب، غير أن الكتاب الجديد قاد إلى عبادة القمر، بعده ظهر كتاب آخر دل على دين آخر. وهكذا أخذت الكتب تظهر لدنانوخت (إدريس) واحدا بعد الآخر حتى ظهر له الكتاب السابع.
النبي دنانوخت
ما الذي فعله دنانوخت فى السماء؟
أدت هذه الكتب السبعة إلى تفرق النوصرائيين إلى مذهب باطلة، ليس من بينها مذهب الحق، بعدها نزل كتاب ثامن يشع نورا من البداية، ويحتوي على المعرفة الكاملة بالله. وعند قراءته انتصب أمام دنانوخت ملاك نوراني هو هيبل زيوا (جبرائيل عند الأديان الأخرى) دعاه إلى العروج إلى السماء ، وتم العروج أثناء النوم، ومن كوكب إلى آخر. كان آخرها كوكب الشمس، وهو مكان النور، ثم عرج إلى الجنة.
حاول "دنانوخت" التوقف عن العروج، لكن هبيل زيوا أمره بمواصلة الرحلة حتى محل (ملكا إد نهورا) ملك النور. ومن عالم نوراني إلى آخر حتى وصلا إلى محل مملوء بالملائكة، حيث سماء السماوات، بحر الضياء ومياه النور، كانت غاية العروج أن يعود "دنانوخت" إلى الأرض فيقص ما شاهد من عجائب العوالم السماوية . غير أنه حاول المكوث في عالم الضياء، فقال له الملاك "ألم أقل لك بأنك يجب أن تعود لتقص إلى الناس ما رأيت، ولهذا سيتعلمون وسيؤمنون ولا ينكرون".
ويؤمن الصابئة بأن المعراج لم ينقطع بعد ذلك وأن كل العباد الطاهرين يعرجون إلى سماوات النور.