بمفهوم المصالح المشتركة فإن أفريقيا بحاجة إلى أن تتوحد نحو التنمية، وهناك سؤال: ما الذى يجعل قارة مثل أفريقيا تمتلك كل هذه الثروات تعيش فى فقر وتخلف وتعانى من الصراعات العرقية والدينية والمذهبية التى تلتهم حاضرها وماضيها.
كانت الأسئلة تطرح مع مصمصة الشفاه باعتبار أن التخلف قدر بعدما شهدته دول القارة خلال القرن العشرين حربا من أجل الاستقلال عن الاستعمار الذى كبلها لعشرات السنين، خرج الاستعمار ظلت دول أفريقيا تعانى من التخلف والاستبداد والصراعات العرقية.
ولم يكن الأمر قدريا بقدر ما كان استمرارا للحقبة الاستعمارية، رحل الاستعمار فى الظاهر وترك إرثا وطريقة تفكير قابلة للاشتعال، لدرجة أن بعض الأطروحات كانت ترى أن المستعمرات السابقة كانت تعيش بشكل أفضل تحت حكم الاستعمار من حياتها تحت حكم الاستقلال الوطنى.
لكن الأمر كان يبدو مقصودا لإقناع الشعب فى كل دولة أفريقية أنه يحتاج إلى استعمار، والواقع أن الاستعمار رحل وترك استعمارا يتمثل فى نظام بيروقراطى فاشل وأنظمة حكم تتسلط وتمارس نفس ما كان الاستعمار يمارسه من طريقة حكم.
ومن الكتب التى فسرت هذا الأمر هو كتاب «أوروﺑﺎ واﻟﺘﺨﻠﻒ فى أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ» لمؤلفه والتر رودنى والذى صدر قبل سنوات عن سلسلة عالم المعرفة، وهى دراسة ترصد تاريخ التقدم فى أوروبا والتخلف فى أفريقيا والعلاقة والمتبادلة بين الظاهرتين، ويظهر كيف أن أفريقيا، وهى أغنى القارات قاطبة بالمواد الطبيعية، مبيناً كيف أن تجارة الرقيق الأوروبية ووصمة الاستعمار كانتا السببين الأساسيين وراء تخلف أفريقيا وركودها التقنى، ويرى أن أفريقيا بحاجة للبحث بجدية إلى تاريخها الاستعمارى، لفهم حاضرها فى التخلف وانتشار الفقر، بعيدا عن الاعتقاد السائد بأن الدول المتخلفة «تدور فى دائرة الفقر المفرغة».
ويتساءل رودنى عما إذا كان عدد كثير من الزعماء الأفارقة يتذكرون بأن الاستعمار بمثابة نظام استثمارات خارجية للقوى المتقدمة وهذه الاستثمارات، وراء التخلف، وليست الحل لمشاكله فى أفريقيا.
الكتاب دراسة مهمة تكشف كيف مارست الدول الاستعمارية سياسات تركت أثارا لها، على رأسها استمرار نزوح ثروات أفريقيا، حيث حرص الاستعمار على أن تبقى أفريقيا مصدرا للمواد الخام، بينما التنمية تطرح فكرة أن تكون أفريقيا قادرة على تصنيع خاماتها والحصول على عائد التنمية، وعدم تركها للدول الأوروبية التى هى نفسها بالرغم من مظهرها المتحضر تحمل إرثا استعماريا فى كونها تحرص على إبقاء أفريقيا بعيدة عن التنمية المستقلة.
من هنا تأتى أهمية محور أفريقيا التى تحتل مساحة كبرى من اهتمامات وأجندة منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ، حيث خصص مجالا واسعا لأفريقيا من خلال أكثر من محور منها أفريقيا التى نريدها، أجندة 2063، التى حاول المشاركون فيها التحدث عما يعوق انطلاق أفريقيا نحو المستقبل، وبناء تجاربها الخاصة والمستقلة فى التنمية.
وطرح ممثلون عن تونس ورواندا ومصر وممثل عن أوروبا أفكارهم حول التنمية والتقدم فى أفريقيا، وجرت عملية تشخيص لهذا الواقع. وتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن أفريقيا طموحاتها، وأنها ليست قارة فقيرة، بل إنها تمتلك وثروات لكنها تضيع فى واقع تسوده الفوضى أو الصراعات العرقية، مشيرا إلى أهمية أن تساعد الدول المتقدمة أفريقيا فى نهضتها ومشروعها نحو التقدم بعيدا عن التعالى، ونفس الأمر فيما يتعلق بموقع مصر وكونها دولة أفريقية تعرف مشكلات القارة وتعانى من بعضها، وتريد أن تساهم مع دول أفريقيا فى التنمية والتقدم ومواجهة الفقر والصراعات العرقية وأن تحافظ على كيانات الدولة فى كل بلد أفريقى حتى يمكن أن يتم البناء وتبدأ التنمية، الرئيس ربط بين التنمية وتوافر الاستقرار والأمن، وأنه من غير وجود الدولة أو فى ظل الفوضى من الصعب أن تقوم تنمية حقيقية، الرئيس أكد حق شعوب أفريقيا فى أن تحصل على ثمار جهدها، مؤكدا أن أفريقيا ليست فقيرة بل غنية، ونبه إلى أهمية أن يحافظ الشعب على دولته وهو يتحرك نحو التنمية والتقدم، وهناك زوايا أخرى يمكن النظر منها إلى مستقبل أفريقيا وعلاقتها بمصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة