الشعر هو لغة الأحاسيس، ولسان الخيال، كلام العاشقين والحالمين والغاضبين، حالة الشجن التى يذهب معها صاحبها إلى السماء، لينقل كلمات صادقة وبديعة وكأنها تراتيل على ألسنة قديسين.
عانى ولا يزال الشعر العربى، فى السنوات الأخيرة، من عدم التواجد لصالح الرواية، وأصبح الجمهور أكثر ميلاً إلى الروايات وفن القصة، ليبتعد ديوان الشعر وكلام الشعراء إلى الخلف، بعدما كان فى الصدارة حتى أيام أمير الشعراء وصاحب العبقريات عباس محمود العقاد.
الجهود المضنية لعودة الشعر إلى صدارة المشهد، ربما زادت فى الشهرين الماضيين بصورة لافتة، وأصبح للمؤتمر والمهرجانات وحتى المنتديات الشعرية، تواجدا كبيرا على الساحة الثقافية المصرية، لكن اللافت بشكل أكبر هو غياب الجهود الرسمية من المؤسسات التابعة لوزارة الثقافية المصرية، بينما يأتى دور الوزارة الوحيد الذى تقدمه هو رعاية تلك المؤتمر، بعيدا عن أى دعم من مؤسسة تابعة لهذه الفعاليات الشعرية.
خلال الشهرين الماضيين شهدنا مؤتمرًا للشعر أحدهما لـ"قصيدة النثر"، والآخر لـ"شعر العامية" بالإضافة إلى مهرجان طنطا الدولى للشعر، التابع لـ جمعية شعر للأدباء والفنانين بالغربية، وخلال الأيام القليلة المقبلة ننتظر انطلاق فعاليات مهرجان الأقصر الدولى للشعر، هذا بجانب تأسيس منتدى الشعر المصرى، للعدد من الشعراء، والذى يقام بحزب التجمع بالقاهرة، وكلها مهرجانات أهلية، بعضها يحمل رعاية الوزارة فقط.
الشعراء والجميعات الخاصة احتفوا بديوان العرب، وجاهدوا من أجل عودة الشعر للمشهد الثقافى، بينما تجد المراكز الثقافية التابعة للوزارة، غائبة عن استضافة الأمسيات أو المؤتمرات الشعرية إلا بعدد قليل، مع وضع فى الاعتبار أن أغلبها يتم إدارته بحسب مواعيد الموظفين، فبتالى أن هناك أوقات محددة لتنظيمها، بالإضافة إلى غياب دعم تلك الهيئات عن إقامة فعاليات حقيقية للشعر، بل إنها تتهرب منها وتلغيها فى بعض الأحيان.
مؤتمر قصيدة النثر
ومن الأمثلة الواضحة لغياب دعم مؤسسات الثقافة الرسمية، عن مشهد عودة الشعر، كان ما ظهر خلال فعاليات الدورة الخامسة لمؤتمر قصيدة النثر، بأتيليه القاهرة، الذى أقيم في الفترة من 19 إلى 21 سبتمبر الماضى، بمشاركة عدد كبير من الشعراء المصريين والعرب، وحلت دولة ليبيا كضيف شرف المؤتمر هذا العام.
ومن المفترض أن المؤتمر كان يقام عن طريق شراكة بين عدد من الشعراء الذين يقومون بترتيب كل الفعاليات والأمور الخاصة بها، على أن يستضيف أتيليه القاهرة فعاليات المؤتمر كاملة، وتقوم الهيئة العامة للكتاب بطبع كتاب المؤتمر، لمنحه هدية للدولة الضيف، وهى ليبيا فى دورة هذا العام.
الغريب أن الجهود الخاصة تمت جميعًا، إلا أن الهيئة العامة للكتاب، تهربت من دعم المؤتمر وطباعة الكتاب، وهو ما أكده عادل جلال، أمين عام المؤتمر، فى بيان له، كما تحدث عن ذلك فى الجلسة الافتتاحية التى أقيمت للمؤتمر، قائلاً: أن الهيئة دعمتنا بالمطبوعات فى الدورة الثالثة والرابعة، لكن المفاجأة أنهم "تهربوا" منا فى الدورة الخامسة ولم يلتزموا بالبروتوكول القائم بيننا، فاضطررنا أن نطبعها على نفقاتنا الشخصية".
الأمر الأهم هنا هو ما حدث فى المجلس الأعلى للثقافة، حيث قام المجلس الأعلى للثقافة، بأمانة الدكتور سعيد المصرى، بإلغاء مؤتمر الشعر الذى ينظمه المجلس بشكل دورى كل عامين.
الدكتور سعيد المصرى أمين المجلس الأعلى للثقافة
وقال الدكتور محمد عبد المطلب، مقرر لجنة الشعر بالمجلس، إن المجلس تجاهل إقامة مؤتمر الشعر وقرر إقامة مؤتمر للرواية، مشيرا إلى أن آخر مؤتمر أقيم للشعر كان كان فى عام 2016، وكان من المفترض أن يقام هذا العام المؤتمر لكن الأمين العام قام بتغيره بمؤتمر للرواية، وعندما تسألنا عن سبب ذلك، أجاب بأنه سوف يبحث الأمر، ولم يرد حتى الآن، ولا يوجد تفسير.
وأضاف "عبد المطلب" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن الأمين العام لم يكتف بذلك فقط، بل يعمل الآن على تقليص دور اللجان، حيث من المفترض أن اللجنة تجتمع مرتين كل شهر، وتعقد أمسيتين شهريًا واحدة للشعر وأخرى للنقد الشعرى، لكن الأمين العام قرر خفض الأمسيات لأمسية واحدة فقط، وأن يكون اجتماع اللجنة الدورى كل شهر فقط.
الدكتور محمد عبد المطلب مقرر لجنة الشعر
وأوضح الدكتور محمد عبد المطلب، إن اللجنة رفعت شكوى إلى الأمين العام مرة أخرى من أجل معرفة أسباب ذلك، ولم يهتم بالموضوع بالرد، مشيرًا إلى أن اللجنة ستقوم برفع الشكوى مرة أخرى فى اجتماعها المقرر له يوم 21 نوفمبر الحالى، وإن لم يتم الرد، سوف تقوم برفع الشأن إلى الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة.
واختتم "عبد المطلب" أن ما يحدث للجنة هو ما حدث ما جميع اللجان، فى أمر لا تفسير له حتى الآن، مشددا على أن ما حدث هو ظلم للجنة الشعر وظلم للشعراء جميعًا، ونطلب بأن يكون هناك اهتماما أكبر، صحيح هناك اهتمام كبير للرواية لأنه صاحبة الشعبية الأكبر، لكن ذلك لا يبرر تجاهل الشعر والشعراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة