انتصار مدو، حققه الحزب الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى بعد انتزاع أغلبية مجلس النواب، فى خطوة ربما تعرقل خطط الرئيس دونالد ترامب وأجندته التشريعية خلال العامين المتبقيين فى ولايته الرئاسية، فى ظل الرغبة المتزايدة لدى الديمقراطيين للإطاحة بترامب ، وعدم تمكينه من الفوز بولاية ثانية فى انتخابات 2020، إلا أن الطموح الديمقراطى يظل مهدداً بمشكلات عدة.
ووفق الخريطة الجديدة التى بدأت تتضح ملامحها للرموز الديمقراطية الجديدة داخل الكونجرس يبدوا أن "المعارضة القوية" لترامب ربما لن تكون حاضرة ليس فقط بسبب احتفاظ حزب الرئيس بسيطرته على مجلس الشيوخ، وإنما بسبب الصراع الذى قد تشهده أروقة الحزب الديمقراطى فى المرحلة المقبلة مع النجاح الذى حققه عدد من أصحاب الفكر الاشتراكى فى الانتخابات الأخيرة، من بينهم إلهان عمر، وأوكازيو كورتيز ورشيدة طليب.
انتصار الديمقراطيين يمثل خطوة هامة للأمريكيين ذوى الأصول الأجنبية
ويمثل نجاح هؤلاء الشباب تحديا كبيرا للجناح القوى داخل الحزب، والذى يتزعمه الساسة المخضرمين، وعلى رأسهم نانسى بيلوسى، وهيلارى كلينتون الطامحة لمنصب الرئيس، بالإضافة إلى الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما والذى لعب دورا محوريا فى الحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين الذين خاضوا الانتخابات، وهو ما ينذر بحالة من الانقسام.
صراع ديمقراطى.. شبح ساندرز يلوح من جديد
الصراع بين الديمقراطيين بدا واضحا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع صعود نجم السياسى الأمريكى بيرنى ساندرز، والذى خاض الجولة التمهيدية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الديمقراطى منافسا لهيلارى كلينتون، فرغم خسارته أمامها، لاقت أجندته التى ركزت على زيادة الدخل ورفع الضرائب على الأغنياء والرعاية الصحية وتقليل الديون على الطلاب الجامعيين، بالإضافة إلى دعوته إلى مجانية الدراسة فى الكليات الحكومية، قبولا كبيرا بين أوساط الشباب فى الحزب الديمقراطى، على الرغم من كونها متعارضة مع أجندة الحزب التى تقوم على دعم الرأسمالية، ودعم ورجال الأعمال.
بيرنى ساندرز
وبعد خسارة كلينتون أمام ترامب، أكد قطاع كبير من أنصار ساندرز، والذين يمثلون كتلة لا يستهان بها، أن وصولها لتمثيل الحزب أمام المرشح الجمهورى فى المرحلة النهائية من الانتخابات الأمريكية يمثل السبب الرئيسى فى فوزه، خاصة وأن أجندة كلينتون لا تقدم أى جديد خلافا لما قدمه أوباما، وبالتالى اتجهت الأصوات الأمريكية نحو ترامب باعتباره صاحب الأجندة التى تحمل تغييرا صريحا فى السياسات الأمريكية.
انقلاب على الليبرالية.. الديمقراطيون اهتموا المعارضة الرمزية لترامب
ويمكن القول أن اختيار الحزب الديمقراطى لمرشحيه فى انتخابات التجديد النصفى، قام فى الأساس على تقديم أنصار الرؤية الجديدة، باعتبارها تحمل اختلافا عن أجندة الديمقراطيين التقليديين، وإن كانت تمثل فى جوهرها انقلابا على الليبرالية، وهو ما يعكس اعترافا ضمنيا بفشل الحزب طيلة سنوات فى مجاراة الشارع الأمريكى، إلا أن وصولهم للكونجرس ينذر بحالة من الانقسام المحتمل بين الأعضاء الديمقراطيين، وهو الأمر الذى ربما يصب فى النهاية لصالح إدارة ترامب التى ستتحرك نحو تعزيز تلك الحالة من الانقسام.
إلهان عمر بعد فوزها
ولكن بقى الجانب الرمزى مهما لدى الحزب لمناوئة الرئيس الأمريكى، فكان المرشحون ذوى الأصول الأجنبية، والمسلمين بمثابة رسالة ضمنية تعكس توجهات الديمقراطيين الرافضة لرؤية الإدارة الحالية تجاه مسألة الهجرة، فى حين أن التعارض بين طبيعة الحزب الليبرالية وتوجهات ممثليه الاشتراكية سيكون بمثابة قنبلة موقوتة.
وبعيدا عن الدعاية الانتخابية التى اتسمت بالعداء الشديد للرئيس ترامب من قبل المرشحين الديمقراطيين، إلا أن العديد من القرارات الاقتصادية التى اتخذها تتفق إلى حد كبير مع الرؤى التى سبق وأن تبناها معلمهم ساندرز فى خطابه إبان الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية أمام كلينتون، لعل أبرزها انتقاده الصريح للمزايا التى تمنحها الولايات المتحدة لشركائها التجاريين، والتى كانت سببا رئيسيا فى تكبيد الولايات المتحدة لخسائر كبيرة فى السنوات الماضية.
فن الصفقة.. رهان المرحلة الجديدة لترامب
وبالتالى تبقى التحديات، التى من المتوقع أن يواجهها الرئيس ترامب بعد الانتصار الذى حققه الديمقراطيون فى انتخابات التجديد النصفى، ربما ليست بالصعوبة التى يتوقعها البعض، خاصة وأن هناك بعض المشتركات التى تجمع بين الرئيس الأمريكى، والتيار الجديد الصاعد فى الحزب الديمقراطى، فى ظل رفضهم غير المعلن لبعض السياسات التى سبق وأن تبناها أوباما، وعلى رأسها التكلفة العالية لقانون التأمين الصحى، والمعروف باسم "أوباما كير"، وكذلك تأييدهم الضمنى للإجراءات التجارية التى اتخذها الرئيس الأمريكى تجاه عدد من دول العالم كما هو الحال فى الحرب التجارية مع الصين، وهو ما يمثل نقطة انطلاق ربما تفتح الباب أمام مواصلة الإدارة لسياساتها.
الخلافات بين ترامب وخصومه ستبقى قائمة فى العديد من القضايا، ربما يتصدرها الملف الإيرانى، والعلاقة مع روسيا، بالإضافة إلى قانون تخفيض الضرائب الذى اعتبره الرئيس الأمريكى أحد أبرز انتصاراته، وغيرها، إلا أن رهان الرئيس الأمريكى الدائم على قدرته على إبرام الصفقات تمثل أحد النقاط القوة التى تطرح تساؤلات حول ما إذا كان ترامب قادرا على إبرام صفقات سياسية مع خصومه لتمرير سياساته فى المرحلة المقبلة أم لا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة