لا أشك فى أنك شردت ذات يوم متأملا عبقرية مصر وشعبها متسائلا: لماذا حافظت تلك البلد على نفسها كل هذا العمر؟ وكيف خرجت مصر من محنها صبية عفية قادرة؟ أنا أيضا سألت نفسى هذا السؤال، كثيرا، واحترت فى الإجابة أيضا كثيرا، لكننى أستطيع أن أقول لك الآن بأمان واطمئنان لأن مصر بها رجال مثل «راغب عياد».
لو كنت من محبى الفن التشكيلى ومتذوقيه فمن المؤكد أنك تعرف هذا الاسم جيدا، وإن كنت لا تعرفه فلا تحزن ولا تحسب نفسك غافلا فهذا ليس خطأك وإنما خطأ منظومة كاملة من التجهيل التى رعت الجهل ورجاله ودفنت العلم والفن والانتماء، وينسحب اللوم أيضا على صناع الدراما من مسلسلات وأفلام، وصناع الميديا من برامج وأفلام تسجيلية، لأن إهدار حق رجل مثل راغب عياد بهذا الشكل المخزى لا يعود بالضرر عليه أبدا فهو عمل وعشق واجتهد وحقق ذاته وحفر اسمه فى التاريخ، بل يعود بالضرر على مصر كلها، على الأجيال المقبلة التى نشأت ولم تعرفه وعلى الأجيال السابقة التى عاشت دون أن تقدره.
راغب عياد باختصار هو العلامة الأبرز من وجهة نظرى فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى، فقد كان من أوائل الذين التحقوا بمدرسة الفنون الجميلة التى أنشأها العظيم «الأمير يوسف كمال»، وخط اسمه فى تاريخ الفن التشكيلى مع محمود مختار ويوسف كامل ومحمد حسن وأحمد صبرى ومحمد ناجى وغيرهم كرموز لأول دفعة فى تاريخ مصر، لكن إنجاز العظيم لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزه بالعديد من الإنجازات المتتابعة التى جعلت منه أيقونة مصرية خالصة، حكاية شعبية جميلة، وأغنية صادقة تمس كل من يسمعها.
عاش راغب عياد 90 عاما بالتمام والكمال، عاصر جميع التغيرات الفنية الكبرى فى مصر، رأى النشأة والتطور والازدهار والتألق، عاش ليرى أولاده وأحفاده وأحفاد أولاده، أتخيله ذاهبا إلى معارض تلامذته وهو فخور بكل أنجزته يداه، بما حققه من إنجاز غير مسبوق، أحسده وهو الذى صنع لمصر تاريخا جديدا فى الفن التشكيلى، وكان حارسا من أجمل حراس حضارة مصر، حتى مات فى 16 ديسمبر 1982، وحتى ذلك اليوم من هذا الشهر سأكتب عن هذا العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة