عندما يقف المجتمع الطبى جميعاً ضد قانون المستشفيات الجامعية، ألا يرعوى وزير التعليم العالى الدكتور خالد عبد الغفار لرغبة زملائه وأساتذته، ويقف منهم موقفاً منصفاً يتفق والأعراف الجامعية، أقله يجتمع بهم فى دار الحكمة «نقابة الأطباء»، وهذا من قبيل الحكمة السياسية.
لست طبيباً ولكن ما وصلنى من ردود أفعال رافضة من أساتذة وأطباء ثقاة، تشى بأن القانون ولد بعيب خلقى، ولن يعيش طويلاً، وسيلحق بقانون «التجارب السريرية» الذى أعاده الرئيس مشكوراً إلى حيث أتى ليتم إنضاجه جيداً، ليس هكذا تفرض القوانين الطبية، أهل مكة أدرى بشعابها، القوانين الفوقية تظل معلقة بين السماء والأرض حتى تسقط من حالق.
القانون ولد منبوذاً من أهله، من عموم أطباء مصر ونقاباتها، وبغير استشارة أصحاب الشأن، وهم أعضاء هيئة التدريس ومديرى المستشفيات الجامعية، والغريب أن القانون المرفوض سبق رفضه فى كل مرة طرح فيها فى أعوام ومناسبات سبقت فى 2012 و2014، ورغم هذا هناك إصرار بغيض على تطبيقه على المستشفيات الجامعية التى لا تطيقه.
فى هذا السياق الاحترابى بين الوزير وأساتذة المستشفيات الجامعية تلقيت رسالة من العلّامة الدكتور صلاح الغزالى حرب خلاصتها، كيف يصدر مثل هذا القانون دون استشارة أصحاب الشأن، ولمصلحة مَن؟.. ومما يؤسف أن قرارات مجالس الأقسام الرافضة لم ترسل ولم تناقش فى مجلس الجامعة، كما لم ترسل إلى وزارة التعليم العالى فمن يتحمل هذه المسؤولية الجسيمة؟ ولماذا؟..
والأمر ليس جديداً فقد سبق عرضه كفكرة فى عام ٢٠١٢ فى اجتماع عمداء الطب ومديرى المستشفيات الجامعية آنذاك ورفض بالإجماع، ومنذ أسابيع رفضته الأقسام الإكلينيكية بطب القاهرة ونقابة الأطباء ولا أدرى مَن المستفيد من هذا الذى يحدث؟..
يلفت الدكتور الغزالى حرب إلى عيوب خطيرة تتخلل القانون منها أن علاج المرضى سوف يقتصر على مَن يتعاقد مع هذه اللجنة، وإذا علمنا أن التدريس بالطب يستلزم وجود هؤلاء المرضى، فالأمر سوف ينتهى تقريباً بتدهور هذا التعليم وهى كارثة.
كما أن البحث العلمى الطبى الإكلينيكى يعتمد أيضاً عليهم وهو ما يضر بالبحث العلمى الطبى، والغريب أن القانون يعد بمقابل مادى لكل من يشترك فى علاج هؤلاء المرضى، فى حين أننا جميعا كأساتذة أنفقنا حياتنا فى التعليم الطبى وعلاج هؤلاء المرضى بلا مقابل باعتباره جزءاً من وظيفتنا.
ومن أين تتوفر الأموال، وأليس كان الأولى أن توجه هذه الأموال حين توافرها لزيادة كفاءة هذه المستشفيات خاصة مع إحساس كثير من الأساتذة بنية البعض تقليص مجانية العلاج المجانى فيها، وهو أمر مرفوض تماماً ويبقى السؤال الغامض: لماذا تقاعست عميدة الطب عن إرسال آراء الأقسام الكبرى فى الكلية للجامعة ووزير التعليم العالى ولمصلحة مَن؟.. ارفعوا أيديكم عن المستشفيات الجامعية فهى المنفذ الوحيد المجانى أمام الطبقات المتوسطة والمحدودة لعلاج الأمراض المستعصية تحت إشراف الأساتذة.
يختم الغزالى رسالته الحزينة بقوله: إننى أعلم تماماً بحكم خبرتى الطويلة فى طب القاهرة ومستشفى قصر العينى أن هناك قصوراً فى المستشفيات، وهذا يرجع لأسباب كثيرة منها قصور الميزانية المخصصة لهذه الخدمة العلاجية المجانية شديدة الحيوية للآلاف من المصريين، بالإضافة إلى القصور الإدارى وبعض أوجه الفساد التى لا تواجه بحزم من القيادات المسؤولة، وعدم التزام بعض الزملاء نتيجة غياب الرقابة، ولكن يظل الحل فى أيدى أصحاب الشأن والغالبية العظمى منهم جنود مجهولون، وعلى قدر المسؤولية، ولابد من وقف سريان هذا القانون وبدء مناقشات موسعة لتحسين الخدمة فى هذه المستشفيات، فى إطار تحسين الخدمة الطبية فى كل المستشفيات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة