نحتفى دائما بكتاب الرواية والشعر والقصة القصيرة لكننا قليلا ما نمنح النقاد حقهم، لا نقول لهم إنهم يقومون بأصعب مهمة يمكن لإنسان أن يواجهها، إنهم يواجهون الحقيقة، يتعاملون معها دون تجميل، تظهر أمامهم بوجهها المكشوف، قوية أو ضعيفة، ثم يعودون ليخبرونا بما رأوا، ومن هؤلاء النقاد الدكتور محمد عبد الباسط عيد.
أعرف أننى ذات يوم سوف أصبح صديقا مقربا للدكتور محمد عبد الباسط عيد، لذا وقبل أن يحدث ذلك، وتصبح شهادتى حينها مجروحة، أود أن أتحدث عنه وأن أمنحه بعض حقه، وأن أقول له أكمل ما بدأته لأنك تمنح الآخرين أملا.
أنا كلما رأيت رجلا نحيفا انتبهت، ليس لأننى أكثر نحافة منه، لكن لأنه يبدو نشيطا خفيفا على الأرض لا يثق فيها يود لو يطير فى السماء، وهكذا رأيت محمد عبد الباسط عيد أول مرة، دون أن أتحدث معه، قلت فى نفسى «كما يليق برجل صوفى»، ولما تحدث كانت كلماته منظمة ومفيدة ومرحة، والمرح فريضة غائبة فى خطابنا الحياتى.
بحثت عن معلومات شخصية عن محمد عبدالباسط عيد فلم أجد، أبحاثه وكتبه فقط هى التى تظهر على شاشة الكمبيوتر، فقلت هى خير سيرة، لكننى فى الوقت نفسه كنت حريصا على تتبع ما يكتبه على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، متوقفا عند جوهر «الكتابة»، راسما سيرة ذاتية له، فوجدته محبا للحياة دون تورط فى كوارثها.
مؤخرا قرأت لمحمد عبد الباسط عيد كتابين، الأول «النص والخطاب.. قراءة فى علوم القرآن» والثانى «الخطاب النقدى التراث والتأويل»، بعد منافسته فى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، فعرفت وجها آخر لسيرته، باحث يؤمن بديمومة التراث وحيويته وقدرته على التواصل، إن محمد عبدالباسط عيد امتداد لمدرسة من النقاد الواثقين فى أنفسهم، لأنهم يثقون فى «ماضيهم»، وبالطبع هم يعرفون قيمة الآخر الغربى وجهده الإنسانى المشكور، لكنهم يعرفون قبل ذلك قيمة أنفسهم وتاريخهم، ينطلقون من فكرة الرؤية الحضارية للفكرة وبالتالى يصلون إلى هدفهم.
محمد عبد الباسط عيد، بالنسبة لى، يتجاوز شخصه، ليصبح نموذجا للنقاد الجادين الذين نحتاجهم بشدة، لأننا توقفنا عن النظر إلى أنفسنا ودراستها صرنا إما ناقمين عليها أو مصابين بالتضخم الذاتى، أصبحنا لا نسأل الأسئلة الصحيحة، وبالتالى لا نحصل على أية إجابات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة