كل عصر يفرز نماذجه الرائدة ونجومه اللامعة والقدوة التى يرتبط بها الشباب والأجيال الجديدة، والسيدة «نحمدو سعيد عبدالرازق» سائقة الميكروباص المكافحة التى تسعى على رزقها فى مهنة يحتكرها الرجال وتواجه كل التحديات والمصاعب التى تواجهها بشجاعة ليس لها مثيل وتستطيع قهر ظروفها وفرض إرادتها على واقعها، هى قدوة هذا الزمن الذى نعيشه، والذى يؤكد مجموعة من القيم الجميلة والنافعة التى تبنى المجتمعات فى مواجهة ثقافة الهدم والاستلاب للخارج والانتماء لجهات على حساب مصلحة الوطن، حتى أصبحت الوجاهة تأتى من بيع لحم الوطن لأعدائه والثراء من كتابة التقارير والدراسات للمنظمات الحقوقية المشبوهة وتقديم البلاغات ضد البلد أمام المنظمات الدولية، أه والله هذا حدث ويحدث ممن كنا نعتبرهم أساطين النضال فى زمن ما، فكانوا يناضلون على أدمغتنا ويبيعون الوطن باليورو والدولار، فيما يضيقون هم بأى أحد ينتقدهم.
ورأينا سابقا كيف ظهر الفهلوى الكسيب بصرف النظر عن مصدر نقوده مع عقد السبعينيات من القرن الماضى، ومع بروزه سادت القيمة الاستهلاكية البائسة «معاك قرش تساوى قرش» وتفكك معها المجتمع إلى طبقة كبيرة مهيمنة تملك المال السريع غير معلوم المصدر أو حتى المال الحرام وطبقة أخرى من الحراس القدماء القابضين على قيم العمل والعصامية والحلال أبقى وتربية الأبناء بعرق الجبين وتلقينهم الصدق والشرف والأمانة، لكنهم لا يجدون فرصا للترقى الاجتماعى ولا آذانا تسمع لغتهم التى لا يمكن ترجمتها إلى نقود مباشرة.
ومع الثمانينيات والتسعينيات وما تلاها من عقود حتى 2010 تكرست المادية الاستهلاكية كقيمة وحيدة وأصبح الهم العام للأجيال الجديدة، كيف يلتقطون قالبا من بيت أبيهم الذى يتداعى، أصبح التبرم عاما والشكوى دائمة والفرص قليلة والجميع يتحدثون عن الفساد الذى أصبح للركب والفرص الجديدة فى الخارج وأصبح المنفى الاختيارى حلما لكل من يريد تأسيس حياة ناجحة أو مريحة كما أصبح الخروج شعار الجميع سواء بالهجرات الشرعية أو غير الشرعية، ومع تفشى وباء ترك البلد لم يعد أحد يلتفت لقيم الإتقان والإجادة وحتى الحرف التى كنا نشتهر بها انطفأت وقاربت على الاندثار، وشهدنا رغم عددنا الكبير الذى تجاوز الثمانين مليونا آنذاك استقدام عمال من شرق آسيا للمصانع المصرية بدعوى عدم تأهيل العمالة المصرية كما شهدنا قوارب الموت التى تحمل الشباب المصرى الهارب من حجيم البطالة إلى شواطئ أوربا أو الموت فى عرض البحر.
وعندما قامت ثورة 25 يناير، قضت الفوضى والانتهازية السياسية ومؤامرات الأعداء الخارجيين على البقية الباقية التى تمسك المجتمع المصرى وتدفعه للمضى قدما ولو بالقصور الذاتى، وحدث هدم سريع لكثير من المؤسسات وانتشرت ظاهرة النهب والسرقة بالإكراه وفقدنا معيار الاستقرار كما فقدنا معيار الأمن على النفس والأهل والممتلكات وكاد يغيب معنى الوطن.
وبعد ثورة 30 يونيو، ومع استعادة الدولة لهيبتها ونشر الأمن فى الأركان الأربعة المستهدفة بالإرهاب المسلح المدعوم خارجيا ودحر فلول الجماعات الإرهابية ممثلة فى الإخوان وأخواتها، ومع بدء التقييم العام لقدرات الدولة فى جميع المجالات، كانت النتائج مذهلة، خسارة فادحة ودمار شامل وقماشة مهترئة، وإذا تناولنا أى مجال من المجالات نجده يحتاج إلى عملية إعادة بناء «على نضيف» ووفق المعايير العالمية وبوتيرة تسابق الزمن، العشوائيات تحاصرنا والصناعة مضروبة والزراعة متراجعة والاحتياطى النقدى فى أدنى مستوى له منذ عقود والاستثمارات الخارجية متوقفة والسياحة عاجزة والاقتصاد برمته يعانى وملفات شديدة الحساسية جرى التعامل معها باستهانة أدت إلى أن تجرأ علينا الصغير والكبير.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة